«جمعة مباركة»
هذه الرسالة، او بالأحرى هذه العبارة التي تطل علينا مع بزوغ فجر كل يوم جمعة على هواتفنا النقالة، مزينة بالصورالجميلة والألوان المزركشة والنقوشات الإسلامية المتنوعة، أو تأتينا على باقات من الورد، وأحيانا تأتي مكتوبة على صورة سجادة صلاة وسبحة ومبخرة، أو تأتي عبر مقطع فيديو بخلفيات إسلامية وصوت الدعاء يأسر القلب، هذه العبارة التي تصلك من خلال الرسائل الجماعية قد تزعج البعض منا وأنا أيضا مثلكم قد تزعجني لكثرة ورودها من كل الأشخاص على هاتفي وأحيانا تتكرر الصورة نفسها من غير جهة.
من هذا الباب قررت أن أبتعد عن النت فترة من الزمن جازما أن غيابي سيربك من هم حولي فقطع النت أسبوعا كاملا مثلا ليس سهلا على من اعتادوا على تواجدي بينهم ومعهم في مواقع التواصل، فجاء القرار بالابتعاد لمدة عشرة أيام من الأربعاء منتصف الليل حتى نهار الأحد من الأسبوع الذي يليه، ابتعدت عن كل شيء، ونظرا لانشغالي ببعض الأمور الأكاديمية والخاصة مرت تلك الأيام وكأنها يوم واحد.
جاءت لحظة الصفر حيث أنني كنت متلهفاً لفتح الهاتف وإعادة شبك النت، كنت أتخيل أن أصدقاء الطفولة وزملاء الدراسة والعمل والأهل والإخوان والجيران وأبناء العمومة والأقرباء منشغلو البال وقلقون، يتساءلون ما الذي حصل أو جرى كوني غير متصل على النت، وغير متواصل وكنت أخاطب نفسي وظننتني كنت قاسيا باختفائي وإشغال بالهم.
حين فتحت الهاتف فإذا بهاتفي يغرد ويغرد باستقبال الرسائل من كل حدب وصوب، قد أستغرق دقائق حتى استعاد صوابه وهدأت أصوات هذه المسجات واستقر هاتفي على (لديك عدد ... من الرسائل غير المقروءة). فرحت كثيراً أنني لم أغب عن أذهانهم، لقد افتقدوني بهذه الأيام المعدودة (قلت لنفسي)، ولكن صدمتي تعاظمت حين رأيت بأن كل ما وصل لهاتفي عبارة عن بطاقات وفيديوهات تحمل عبارة «جمعة مباركة»، كل هذا الكم من الرسائل كلها «جمعة مباركة» فتشتها بتوتر علني أجد أحدا يسال عن أحوالي، أو أجد أحدا لاحظ غيابي فلم أجد.
لم أجد بين الرسائل ما يعبر عن الاهتمام، لقد أصبح الأمر عادة لدى الجميع، بطاقة مكررة لا يكلف إرسالها لكل المتواجدين سوى كبسة زر، أهذا ما أصبحنا عليه الآن؟ إنها الحقيقة، لم يعد هناك من يقرأ تلك الرسائل، فقد استلم ثم سلم، استفزتني التجربة فقمت يوم السبت بوضع عبارة على حسابي في مواقع التواصل، قلت فيها: «في صباح يوم هذه الجمعة أدعو الله كذا كذا» كانت مزحة إداعب فيها البعض، لكنني واجهت سيلا من الرد المباشر: (آمين.. آمين)، لم ينتبه أحد من المتفاعلين بأننا في يوم السبت، تيقنت من شكوكي بأن الكثير من الرسائل تمر علينا دون النظر فيها أو معرفة ما تحتويه، فقد أصبح الأمر ديناميكيا محضا.
وأخيراً: فالرسالة الحقيقية عزيزي القارئ هي تلك الرسالة الموجهة لك ولشخصك أنت، أنت بعينك دون غيرك، كلماتها وعباراتها تخصك أنت فقط لا غيرك، فالاهتمام والاحترام يظهر في هذه العلاقات بتخصيص وخصوصية الرسائل، وليس رسالة إلى الجميع قد لا نعي فحواها. لذلك عندما تأتيك رسالة جماعية بـ «جمعة مباركة» افرح فأنت من ضمن قائمة الاهتمام غير المهمة في جهاز المرسل، و «جمعة مباركة».
الموظفون الإداريون.. قصص من خلف الكواليس
موظفو الجامعات هم الوجوه التي لا تظهر في مقدمة المشهد لكن حضورهم العميق يجعل كل تفاصيل الحياة في الإدارات و الكليات ممكنة من عمل اداري و تجهيز القاعات وتنسيق الجداول إلى متابعة شؤون الطلبة و الخدمات و الامن و الصيانه والحرص على استقرار كل الإجراءات الإدارية هم النبض الذي لا يتوقف خلف الكواليس.
قصصهم اليومية لا يعرفها الكثيرون لكنها مليئة بالتفاني والمرونة والقدرة على التكيف مع تحديات متغيرة، هم الذين يحملون ثقل التفاصيل الإدارية والمالية و الفنية ويجعلون من الجامعة مساحة يسودها النظام في كل خطوة.
دائماً الموظف الإداري هو أحد عناصر القوة في المؤسسة من الداخل وعندما يمتزج الحماس بالطموح والخبرة نجد موظفين قادرين على تجاوز التحديات وتقديم أفضل ما لديهم بروح عالية.
إن كل مؤسسة ناجحة تحمل في قلبها موظفين لا يكلون عن العطاء يعملون كأنهم يكتبون قصة نجاح لا تحمل أسماءهم لكنها تحمل بصمتهم كلوحة فنية بشرية تنسجم معًا لتشكيل صورة متكاملة نابضة بالحياة.
في هذه اللوحة لا يمكن لأي قطعة أن تكتمل أو تتألق بدون الأخرى، الموظفون الإداريون بكل مهامهم ومسؤولياتهم المتنوعة هم الركيزة التي تستند إليها العمليات اليومية فهم الرابط الحيوي بين الأقسام العلمية واعضاء هيئة التدريس و الطلاب والإدارات المختلفة تتنوع أدوارهم مما يجعلهم جزءًا لا يتجزأ من نجاح المؤسسة التعليمية.
إن التعاون والتنسيق بين الموظفين بغض النظر عن تخصصاتهم أو خبراتهم يخلق بيئة عمل متناغمة تعكس روح الفريق الواحد هذه الروح هي التي تجعل مجتمعًا حيويًا يعج بالإبداع والتفاعل.
في النهاية الموظف ليس مجرد رقم أو وظيفة بل هو جزء من لوحة فنية حية تشكل بتكاملها صورة الجامعة بأبهى حللها.
هل المنهج هو كل ما يتعلمه الطالب؟
تحرص المؤسسات التعليمية مستعينة بجهود التربويين بتصميم مناهج تربوية تعليمية تحدد خارطة الطريق للوصول بالتعليم إلى تحقيق الأهداف التربوية. فالمنهج يوضع بإشراف التربويين والمدرسة « أو المؤسسة التعليمية والأكاديمية أياً كان نوعها» حتى يكون بين يدي المعلم - وكل من يقوم بالتعليم بحسب نوع المؤسسة التعليمية التي ينتمي إليها- ما يلبي التعليم وفق احتياجات التنمية الشاملة والتي يفترض أن تكون «تنمية مستدامة» في وقتنا الحالي. ويمكن تعريف المنهج التربوي أو الذي يُسمى أحياناً المنهج التعليمي بإنه برنامج يشمل كل الأنشطة والممارسات المطلوبة لتعليم وتدريس الطلاب في المدرسة أو خارجها للوصول بهم إلى أقصى حد من قدراتهم المعرفية والسلوكية من خلال تقديم المعرفة والمعلومات وإكساب القيمّ المتوافقة مع ثقافة وأيدولوجية المجتمع. والقارئ في الأدب التربوي سيجد الكثير من التعاريف تتضمن هذا المعنى، وقد يضيف بعض الباحثين جوانب أخرى إلا إنها لا تغيّر في المعنى الكثير.
وبحسب قول كل من الباحثين عبد الحميد وعلي إن المنهج هو الركيزة الأساسية في المنظومة التربوية فبه يبدأ المعلم تعليم طلبته، وتشتت المعلم وعشوائيتة في التدريس هو المتوقع دون وجود منهج سليم مبني على أسس تعكس الاحتياجات التربوية منهج واضح المكونات. وكما هو معروف في الميدان التربوي أن المنهج العلمي يتكون من الأهداف، المحتوى الدراسي «الكتاب عادة» طرائق التدريس، الأنشطة التعليمية، الوسائل التعليمية والتقويم بأنواعه.
إن من أهم الأمور التربوية التي يتم ملاحظتها تأثر مفهوم المنهج ومكوناته على مر الأزمان وفي مختلف المجتمعات بعدة أمور منها على سبيل المثال التطورات الاجتماعية والتطورات في النظريات النفسية والتربوية المرتبطة بطبيعة تعلم الإنسان إضافة إلى التقدم التكنولوجي وما أحدثه من تغيرات في السلوكيات الإنسانية والقيم الاجتماعية وهذا ساهم في تعرض المناهج التربوية إلى تحديات كثيرة مما دعا الباحثين والمهنيين إلى الاجتهاد في تطوير المناهج وكانت أحد نتائج ذلك ظهور عدد من المسميات والأنواع للمناهج تساعد على الدراسة الموضوعية لها ومن ثم تطويرها ومن تلك الأنواع المنهج البيداغوجي المنهج التقليدي المنهج الدراسي المنهج الحديث المنهج الرسمي المنهج الواقعي والمنهج الخفي، وما يُميز تلك المناهج بأنها محددة واضحة ومكتوبة وتحتوي معلومات صريحة ما عدا المنهج الخفي. ويُذكر المنهج الخفي في الأدب التربوي بأسماء مختلفة مثل المنهج غير المكتوب، المنهج الصامت، المنهج غير الرسمي المنهج غير المقصود والنتائج الجانبية للتعلم.
فالمنهج الخفي يُعبر عن الخبرات والممارسات غير المقصودة في العملية التربوية والتعليمية إلا إنها مصاحبة لها، ووضع التربويين تعريفات كثيرة لتوضيح معنى هذا المفهوم وكلها تشمل فكرة واحد هي الجوانب المضمرة في الحياة التربوية سواء كانت إيجابية أو سلبية حيث إن الطلاب قد يتعلمون في المدرسة أو المؤسسة التعليمية أمور غير متوقع تعلمها وقد يتعرضون لخبرات وأحداث أكثر مما تعلنه البرامج والمناهج الرسمية.
وذكر الدكتور علي وطفه -عضو هيئة التدريس في كلية التربية في جامعة الكويت –أمثله في دراسة له لما قد يتعلمه الطالب خارج المنهج الدراسي اقتبسنا منها ما يلي مع إضافتنا لبعض المضامين النفسية:
- تعلم الحياة في مجموعة مغلقة - كيف يكون له أدوار مختلفة بحسب المجموعة التي ينتمي لها – التعاون والتضامن مع الآخر- الانضباط والسيطرة على الغضب ونبذ العنف - يتعلم أن يحلم وأن تكون له أهداف - كيف يمكن أن يكون له رأي في أي موضوع - ممكن أن يتعلم أهمية فاعليته الذاتية والاعتماد على النفس يتعلم المديح والكلمة الطيبة وأثرها في النفوس وكيف يقدم الإطراء- ضبط نفسه والصبر والعمل بأعمال لم يكن يرغب بها- تجاوز الحدود الرفض واللامبالاة المراوغة والتهرب من المسئولية في حال عدم جدية المدرسة بتطبيق اللوائح والقوانين- تعلم الحذر من الآخرين لتجنب بخس حقه في نتيجة واجباته والمهمات التعليمية - كيف يتكيف مع التنمر وكيفية صده.
إن الواقع التربوي يُبين لنا إن المنهج الخفي هو منهج يحدث ضمن التفاعل الاجتماعي بين المُنتسبين للمؤسسة التربوية فقد يكون بين الطلاب مع بعضهم البعض، وقد يكون بين المعلم وطلابه، فعندما يحدد المعلم موعد لإعداد المهمات والواجبات الأكاديمية، وعندما يثني المعلم على الطلاب الذين التزموا بهذا الموعد فإنه بذلك يكون قد ُعلم طلابه الانضباط والالتزام بالمواعيد وتحديد الأولويات، ولكن دون أن يصرح بذلك فهو تعلم خفي يدخل في مفهوم المنهج الخفي.
في الحقيقة إن المنهج الخفي يُخبرنا بأن كل طالب يتعرض لخبرات ذاتية خلال رحلة تعلمه وبلا شك هي خبرات تساهم في رسم شخصية الطالبة وتشكيلها تربوياً، وبذلك يمكن القول إن الطالب يتعلم المنهج والنواتج الجانبية للتعلم بما لها وما عليها من أمور تؤثر وتتأثر بجوانب سيكولوجية عديدة، سنوضحها في المقالة القادمة.
إعداد أستاذة مها خماس السعد
إختصاصية نفسية – قسم علم النفس التربوي – كلية التربية
صلينا واعتمرنا
أرجوحة
إن الحياة مليئة بالمتناقضات والمفارقات، والناس معادن وأصناف، فلا تعجب عزيزي القارئ إذا رأيت ما يثير العجب من أفكار الناس وسلوكهم وتصرفاتهم، و اعجب إذا لم تعد تصادف المدهشات والغرائب، ولكن أعجب العجب هو أن تجد إنساناً منحه الله تعالى العقل وحصل على أعلى الشهادات الجامعية، ثم يتنكر لخالقه وعقله وعلمه، فينكر وجود الله سبحانه، ويصر على غيه وضلاله وإلحاده، ولا يكتفي بذلك بل يحاول أن يشكك المؤمنين في عقيدتهم، كي يجرهم إلى الهاوية في الدنيا والآخرة، فيخسروا سعادتهم في العاجلة ويهووا إلى النار والعياذ بالله في الآجلة.
حدثني صديق لي فقال: أنا كما تعلم موظف في إحدى الدوائر الحكومية - ملتزم بالصلاة منذ طفولتي المبكرة، فقد حرص والدي أن يعلمني الصلاة منذ وعيت، وكان يصطحبني معه إلى المسجد ولا سيما في صلاة الجمعة، فالتصق قلبي ببيوت الله، فإذا دخلت لأصلي شعرت كأني وضعت هموم الدنيا جانباً وأخذت قسطاً من الراحة يساعدني على مواجهة الصعاب والأزمات - وكان يجاورني في المكتب الذي أعمل به أحد الزملاء ولي علاقة طيبة به، إلا أن علاقتنا اقتصرت على وقت الدوام فقط، فلم أزره ولم يزرني، ولا أعلم عن حياته الخاصة سوى أنه متزوج وأب لثلاثة أولاد، وفي أحد الأيام كلفتنا الوزارة بالسفر معاً في مهمة إلى إحدى الدول الأجنبية، فسافرنا في طائرة واحدة ونزلنا في غرفتين متجاورتين في أحد الفنادق الضخمة، وكان لابد أن نذهب معاً ونعود معاً كل يوم لأن مهمتنا واحدة، و ذات مرة تأخرنا في أحد الاجتماعات وكادت تفوتني صلاة الظهر لقرب دخول العصر علينا، فلما خرجنا من الاجتماع قلت لزميلي: هيا نبحث عن مكان نؤدي فيه الصلاة، فرد ما رأيك أن نتغدى أولاً؟ فقلت له لا وقت لدينا، تعال معي، فنحن نستطيع أن نتوضأ ونصلي في هذه الحديقة، لكنه لم يظهر أي حماس وحاول أن يتملص، ولما ألححت عليه التفت إليّ وقال: من صجك تصلي؟ لا يكون مصدقاً في عذاب وحساب وغيره من ...؟!! ولا أكتمك أنني صدمت وذهلت، فما كان يخطر في بالي أنه لا يصلي ولا يؤمن بوجود الله والعياذ بالله من هذا، ليس هذا فحسب، بل حاول أن يثنيني عن الصلاة ويشككني فيها، ولا بد أنه لاحظ دهشتي فأردف وهو يبتسم ابتسامة خبيثة: ما كنت أظن أن عاقلاً مثلك يتمسك بالصلاة إلى هذا الحد! تسارعت الكلمات إلى فمي، لكنني فضلت أن أرد عليه بعد أن أصلي، وأسرعت إلى الحديقة فتوضأت وصليت ثم عدت إليه، وكان قد سبقني إلى مطعم قريب، فتناولنا الغداء معاً، و كانت الابتسامة تملأ وجهي، وفي وجهه علامات تعجب كثيرة، وأحببت أن أريح صاحبي وأرتاح، فقلت له: ماذا تقول عن إنسان يغسل يديه ووجهه ورأسه ورجليه خمس مرات يومياً؟ فأجاب: هذا التصرف محبب وصحي ويجعل صاحبه في يقظة وحيوية دائماً، ولاسيما أن جسم الإنسان معرض في كل لحظة للميكروبات والغبار والأقذار، التي تسبب له المرض والإعياء، فقلت له: أنا ذلك الإنسان الذي يغتسل خمس مرات يومياً، ويفعل ما أفعله مئات الملايين من المصلين، فماذا تفعل أنت؟ فازدادت علامات التعجب في وجهه، ولم ينبس ببنت شفة، فأحببت أن أريحه أكثر، فقلت له: ما رأيك بإنسان منظم أشد التنظيم في وقته ومواعيده؟ فعرف ما أرمي إليه ولم ينطق بكلمة، فبدأت أحدثه عن الصلاة واقتصر حديثي على فوائدها الصحية فقط، فقلت له: أثبتت الدراسات الطبية أن أوقات الصلاة الخمس تنسجم تماماً مع أوقات نشاط الجسم الفسيولوجي، فكأنها تنظم عمله وتضبط إيقاعه، وذلك يجعل أجهزة الجسم تؤدي عملها بأعلى درجة من الكفاءة والطاقة، فوصل عجب صديقي إلى ذروته، فتابعت حديثي: إن حركات الصلاة من سجود وركوع وسوى ذلك، تقوي المفاصل وتلينها وتنشط الدورة الدموية وتقلل الإصابة بمرض الدوالي، إضافة إلى أنها تريح النفس وتخفف التوتر عنها، وتعالج الأرق وتساهم في القضاء على القلق، لأنّ المصلي يَكِلُ أمره إلى الله تعالى، فلا يخاف الغد، فرفع صاحبي يده بصمت وأشار لي أن أتوقف، ثم أخذ نفساً عميقاً وقال لي: منذ تعرفت عليك قبل ثلاث سنوات وأنا أشعر بانجذاب خفي إليك على الرغم من اختلافنا في التفكير والسلوك، وها قد جاءت اللحظة المناسبة لأعرف سر ذلك الانجذاب، فكأن الله سبحانه وتعالى وضعك في طريقي كي تردني إلى الحق والصواب وتزيل تلك الغشاوة عن عيني، فإنني والله ممتن لك لأنك انتشلتني من مستنقع الشك والحيرة والضياع، ودللتني على المحجة البيضاء، فجزاك الله خيراً، لاهتمامك بأصدقائك وإخوانك المسلمين، وتابع: قم بنا نتوضأ ونصلي العصر، وعند عودتنا لأرض الوطن، أعددنا العدة لرحلة ثانية إلى البيت العتيق، لأداء مناسك العمرة، والجدير بالذكر أن صاحبي هو من كان يحدثني عن فوائد العمرة والحج.
أعزائي الطلبة: لا تترددوا أن تكونُوا مثل صديقي مع صديقه، «فالكم النجاح وإجازة سعيدة» روحوا للعمرة وصلُوا وأدعوا لي.
أ.د. مناور بيان الراجحي
القوة التربوية الصامتة ووجهة نظرة نفسية
بات معروفاً لدى التربويين إن تعلم الطالب في المدرسة أو المؤسسة التعليمية لا يقتصر على ما تعطيه المناهج من دروس ومعارف وإنما هناك قوى صامتة تساهم في التعلم والتربية تتمثل في المنهج الخفي، ويشار للمنهج الخفي في أدبيات علم التربية على إنه الخبرات والممارسات المصاحبة للعملية التربوية والتي تكون في الغالب غير مقصودة وغير مخطط لها، فهو كل ما يحدث للطالب في الحياة التعليمية الأكاديمية من أحداث يتعلم منها ومواقف تساهم في تشكيل مفاهيمه الحياتية وسلوكياته.
وكما ذكرت «كاسيريس» في مقالة لها معنونة بـ” تعريف المنهج الخفي: القوة الصامتة وراء نجاح الطلاب” على التربويين النظر إلى الجانب الأعمق في التربية والتعليم وهو المنهج الخفي الذي يعد مفتاح يعزز وجود بيئة إيجابية يمكن للطلاب النجاح بها، حيث إنه يتضمن التفاعلات الاجتماعية التربوية المتمثلة في تفاعل المعلم مع طلبته وتكوين العلاقة الإنسانية معهم وتفاعل الطلبة مع بعضهم البعض وتفاعل الإدارة التربوية مع كافة المنتسبين للمؤسسة التعليمية. وتشير الدراسات السيكولوجية إلى أن التفاعلات الاجتماعية في السياقات التربوية التعليمية كثيراً ما تتأثر وتؤثر بعدد من المتغيرات النفسية كالفروق الفردية، التفكير ومهاراته، تحقيق الذات، وجهة الضبط، ، انتقال أثر التعلم والتعلم بالنمذجة، ومما لاشك فيه إن التعلم هو جوهر التربية والتعليم وبنفس الوقت هو موضوع لعدد من النظريات النفسية التي تناولته بالبحث و الدراسة ففسرت طبيعته وطورت قوانينه لمعرفة كيفية الاستفادة منه في وصف وتفسير والتنبؤ بالسلوك الإنساني. لذا سنركز في الأسطر التالية على توضيح كل من التعلم بالنمذجة وانتقال أثر التعلم كعناصر نفسية أساسية في المنهج الخفي.
التعلم بالنمذجة يعتمد على مبدأ إن الإنسان كائن اجتماعي يتأثر ويؤثر بالجماعة التي يعيش معها فيتم التعلم من خلال تقليد الفرد ومحاكاته لسلوك نموذجٌ ما وقد يكون امر شائع في السياقات التعليمية التربوية أن يقلد الطالب سلوك وأفعال معلمه «القدوة» وبالتالي يتعلم ذلك السلوك دون تخطيط لا من المعلم ولا من الطالب فيتم التعلم بشكل خفي وفقاً لتعريف المنهج الخفي. فينبغي على المعلم أن يكون مدرك ومتيقظ لهذا الأمر فعلى سبيل المثال على المعلم أن يحرص على الأسلوب الجيد في الكلام والكلمات المهذبة في حديثه ليتعلم طلبته منه وأن يبتعد عن الكلمات السيئة غير اللائقة.
أما انتقال أثر التعلم كمفهوم نفسي تربوي فإنه يشير إلى إمكانية تطبيق المعرفة والتعلم السابق على فهم وتعلم الجديد وهذا هو المتوقع من التعلم والتعليم، فيتمكن الطالب من نقل ما تعلمه إلى خارج المدرس وفي مواقف شبيه بموقف التعلم. فمن المهم أن يؤدي المعلم مهامه التدريسية والتربوية آخذاً في الاعتبار انتقال أثر ما يتعلمه الطالب إلى حياته الشخصية فيحل أي مشكلة يتعرض لها بالطريقة التي تعامل بها ذهنياً في حل المشكلة أو المسألة في الصف، فيفكر بشكل منطقي ويستخدم مهارات التفكير لتجاوز العقبات اليومية سواء في بيئة المدرسة مع أقرانه أو في حياته الاجتماعية خارج أسوار المدرسة.
وكمثال لانتقال أثر التعلم حل الاختبارات التحصيلية من نوع أسئلة الاختيار من متعدد فهو نوع من الأسئلة الذي يعلم الطالب ـ وبشكل خفي غير مباشر - كيفية التصرف في حال تعرضه لموقف يتضمن عدد من الاختيارات لحله وحل الصراع النفسي إزاء ذلك الموقف باختيار الأفضل أو الأكثر صحة من البدائل.
وفقاً لسعي الحكومات وأصحاب القرار لتحقيق كل ما يساعد في التنمية المستدامة فإن على التربويين والباحثين في المؤسسات التعليمية التربوية تسليط الضوء على المنهج الخفي ليُستثمر في تكوين السلوك المستدام لطلبة العلم.
وتوضح الدراسات النفسية السلوك المستدام على أنه أي سلوك هادف يظهر من خلال الإجراءات الموجهة للمتطلبات الاجتماعية والفردية لحماية البيئة وتحقيق رفاهية الفرد والمجتمع وبما لا يهدد احتياجات الأجيال القادمة.
وأي سلوك يمكن اكتسابه أو تعديله بالتعلم بالنمذجة ويمكن انتقال أثر هذا التعلم لمزيد من الخبرات والمواقف ، ولاعتبار إن المنهج الخفي قوة صامت في السياقات التربوية فإنه قد يساهم بشكل كبير في تشكيل السلوكيات والمفاهيم الحياتية للطالب كما ذكرنا في بداية هذه المقالة والذي يجب أن تتمحور حول الاستدامة.
وخلاصة القول إن المنهج الخفي لا يقل أهمية من المنهج الرسمي الذي يصرح به التربويين بل يجدر أن يُدرس ويُبحث بتعاون الباحثين في الميدانيين التربوي والنفسي ويجب الحرص على تثقيف الإدارات التربوية والمعلمين لمعرفة كيفية تحليل وتوظيف القوة الصامتة في الحياة التعليمية والأكاديمية وبما يتناسب مع تغيرات العصر والتطورات المتلاحقة في مجتمع المعرفة والمجتمع العام.
إعداد أستاذة مها خماس السعد
إختصاصية نفسية – قسم علم النفس التربوي – كلية التربية