أدوات الوصول

هل تواجه أي صعوبات داخل الموقع؟

تواصل معنا

آراء جامعية

صورة

مشغول

«الانشغال نعمة». تتكرر هذه الكلمات علينا بين الفينة والأخرى.. مِمّن يُذكّرنا بآفة الفراغ! قد نشعر معها أن علينا دائماً أن نكون في حالة عمل دؤوب، ليلاً ونهاراً، بين التفكير والتخطيط والتنفيذ، إلا أن أبعاد هذه الكلمات أعمق بكثير. أذكر تلك الكلمات التي وصلت مسامعي ولم يفقهها قلبي إلا بعد مُدّة من الزمن.. في أحد أيام دراستي في الجامعة، وقفت أمام أستاذ المقرر أطلب منه نصيحة خاصة في استكمال الدراسة، جاءتني إجابته بوجه يميل إلى الصرامة: «أنا الآن مشغول، مشغولٌ جداً». في تلك اللحظة تحديداً كان وعيي أقل بكثير من أن أرى أبعاد هذه الكلمات التي خرجت بصورة عفوية مبطنة بنكهة الصرامة اللامبالية، علت الوجه الذي لا يكاد أن يُرى من كثرة الأعباء.
بعد تلك الكلمات: «مشغولٌ جداً» وبدلاً من طرق الأبواب الخارجية، اتجهت إلى الأبواب الداخلية، إلى نفسي، ساعيةً للتأكيد على أحقية الإجابة وطلب النصيحة، وفي خضّم ذلك الإثبات.. أدركت جُهد الأستاذ وأعباءه الكثيرة تجاهنا وتجاه رسالته في هذه الحياة، إذ ما كان هذا الانشغال وما كانت تلك الصرامة إلا حقاً له لتوجيهنا نحو الاستشارة في مكانها الصحيح. كانت كلماته قاسية، إلا أنني أراها بوعيي اليوم دَفعةً للانطلاقة بعيداً عن الحيرة ومقارنة تجارب الآخرين وطُرق حياتهم ونقاط وصولهم، هي كلمات دعتني إلى الانشغال بنفسي، إلى التعلّم الذاتي المستمر، إلى الاستثمار الحقيقي في الانشغال في تزكية النفس وتطوير الوعي. وهنا مفترق الطُرق!
تتميز حياة الإنسان في رحلته على الأرض بمبدأ «حرية الاختيار» هو من يقرر نوع الانشغال الذي يختاره ويتحدد على إثره نوع حياته، فمن ينشغل بالخير يحصده ومن ينشغل في الشر يقع فيه، وبينهما فراغٌ خانق يُجبره على اختيار أحد الطريقين. هنا تأتي الفروقات بين الناس وتتكشف النيات عبر الانشغال، فنجد من ينشغل بوسائل التواصل الاجتماعي مُعطياً الفائدة والخير ومن يجرّب الألعاب والتصوير المباشر بغير هدف؛ فتُفقد معها هيبته وقد تسلبه كرامته! ومن ينشغل في تطوير نفسه من خلال الهوايات وصقل المهارات ومن يتتبع أخبار الناس خلف الشاشات وعبر الردود والمحاورات، كُلُّها «انشغالات» لكن أيُّها نعمة؟ ويبقى السؤال الأهم: بماذا ننشغل خلال اليوم؟ ما الذي يُشغلنا؟
 

الحياة الدراسية بألوانها (1)

في هذا الصباح الهادئ العليل، استيقظت كالعادة بهمتي ونشاطي أعد لنفسي فنجان القهوة الممزوج بالحليب، وبينما أنا أُحدق به والملعقة تدور في أركانه، منصتاً بكل هدوء الى تغريد العصافير الذي تتسلل لمسامعي من خلال نافذتي التي هزها نسيم النيل النقي ففتح بها شقا صغيراً سرب إليها هذه الحياة، والتي أعادتني الى طفولتي وأول يوم استيقظت به مستعدا للذهاب الى عالم مبهم اسمه (المدرسة) هذا العالم الذي جعل والدتي «رحمها الله» تحدثني عنه منذ أيام وتجهز لي ملابس وشنطة ودفاتر وألوان وأقلام وأشياء، أجهل لماذا كل تلك الأشياء، كنت أطير من الفرحة عند شراء كل قطعة لي كونها مخصصة «للمدرسة» هذا اللفظ أو المفردة الغريبة عني والتي لا أعي معناها ولكنها مكان محتم علي الذهاب إليه على حد قول أمي (ابن عمتك، ابن جارتنا). وكان يبدو لي ان «المدرسة» تحتاج قوه مثل ابن العمة وابن الجارة، وكنت أتساءل كيف جاءوا بهذه القوة ليذهبوا الى «المدرسة» وأسئلة كثيره تساورني في حينها.
المهم، أخذت فنجان قهوتي الذي أعددته بكل الذكريات وبدأت أتقدم من بلكونتي لاستمتع بالجلوس أمام النيل العظيم وفي ظلال شجرة الياسمين التي كانت تخيم على البلكونة ومع كل هبة نسيم كنت أستنشق عبيرها الآسر الممزوج بأصوات العصافير المغردة لصباح مشرق يبث الأمل والحياة. اتكأت على مقعدي ومع اول رشفة فنجان، تذكرت ذلك الصباح حيث ساقتني والدتي الحبيبة «رحمة الله عليها» بعدما البستني الملابس الخاصة بالمدرسة وحملت عني حقيبتي وسرنا سويا بخطواتها السريعة، وعندما وصلنا، شاهدت بابا ً كبيراً حديدياً اجتزناه الى باحة كبيره فيها أطفال كثيرون يتراكضون هنا وهناك وأصواتهم المتعالية بالضحك والصراخ أفزعتني، وكنت كل ما نظرت الى وجه امي أجدها مبتهجة فأطمئن، دخلنا الى غرفة المشرف أظن في حينها تم ذكر اسمي وسلمت عليه بأمر من الغالية رحمها الله وغفر لها، بعدما ناولتني الحقيبة المدرسية وقالت اليوم هو يومك يا حبيبي وإن شاء الله تتخرج دكتور، وبعد هذه الكلمات غادرت المكان، وأنا في حيرة إلى أين يا أمي لا تتركيني فأنا لا أعرف أحدا هنا، كان هذا لسان حالي حتى اختفت عن ناظري تماماً.
مسك يدي المشرف وقال أذهب يا مناور الى الساحة وتعرف على زملائك وانتظر أن يقرع الجرس وانتبه الى الاصطفاف في الصف الأول فأنت صفك هو أولى رابع. خرجت من مكتب المشرف تائهاً لدي رغبة شديده في البكاء أو اللحاق بأمي، لكنني لم استفق من حالة الذعر هذه إلا بصوت ابن جارتنا وهو يناديني مناور تعال هنا، هنا كان بودي لو أنني أحتضنه وأبكي، لكنني تمالكت نفسي وذهبت مسرعاً إليه وبدأ الخوف يزول عندما شاهدت معظم أصدقائي في الفريج متواجدين مع بعض. وللحديث بقية...

 

قياس النفس وتقييمها

إن القياس بمفهومه الواسع هو عملية تحديد قيم وكم للأشياء أو الموضوعات وفقاً لقواعد متفقة عليها، والقياس في علم النفس شأنه شأن القياس في الموضوعات الأخرى فقياس النفس يهتم بوضع قيم كمية للمتغيرات النفسية والتي تمثل النفس - كما سبق إن أشرنا في مقالة (هل يمكن للنفس أن تُقاس ولماذا؟) – حين يمتزج السلوك والانفعالات (المشاعر) والدوافع والعمليات العقلية وسمات الشخصية وتصدر استجابة ما من الفرد، وبكلمات أخرى فإن القياس النفسي يعنى بتحديد كم القلق مثلاً كانفعال في موقف ما وهل هذا الانفعال يساوي للانتباه كعملية عقلية في نفس الموقف وإن كان يختلف فهل هذا الاختلاف مساويا للاختلاف في موقف آخر، وهل الاختلاف يكون بنفس المقدار لدى شخص آخر؟ كل تلك الأسئلة ممكن أن نجيب عليها من خلال القياس النفسي وباستخدام أداة قياسية مناسبة فنحصل على كم الانفعال ومقدار القدرة العقلية والمتغيرات النفسية الأخرى من خلال عدد ورقم معين يتم تفسيره والحكم عليه في ضوء معايير محدده مسبقاً من قبل الاختصاصيين والباحثين وهذا التفسير والحكم هو ما يطلق عليه اسم التقييم. 
إن طبيعة النفس الإنسانية ومتغيراتها تحتم ارتباط القياس النفسي والتقييم، فلن نستفيد من تحديد الكم بعدد معين دون تفسير هذا العدد ومعرفة ما إذا كان هذا العدد يشير إلى المستوى الطبيعي من السمة أو الخاصية موضوع القياس أم لا. وكمثال هل المزاج بالمستوى الطبيعي أم أعلى فيحتمل وجود هوس ومثال آخر هل القلق بالمستوى المتوقع أو أعلى ويشير إلى نوعاً من «الفوبيا» وللتوضيح أكثر نذكر المثال التالي:
من خلال الملاحظة المباشرة من المعلم فإن أحد الطلاب بدا عليه القلق والتوتر وهو(انفعال) والارتباك أثناء الاختبار وأسرع في الانتهاء من الحل والخروج من الصف (سلوك) ولاحظ المعلم تشتت انتباه (قدرة عقلية) الطالب من خلال إجاباته على أسئلة الاختبار التحصيلي (اختبار المعلم) فقام بتحويله إلى الاختصاصي النفسي المدرسي الذي طبق على الطالب اختبار نفسي وكانت الدرجة تشير إلى قلق مرتفع (انفعال) وتم تطبيق عدد من الإجراءات التشخيصية كمقابلة الطالب الذي ذكر معاناته من تسارع نبضات القلب في كل موقف اختبار يمر فيه،  كما تمت مقابلة كل من ولي الأمر والمعلم وكان أحد أدوار الاختصاصي النفسي إصدار حكم على عملية القياس التي قام بها وتشخيص الطالب “بقلق الاختبارات”. 
إن الاختبار النفسي في المثال السابق يمثل أداة قياسية تكشف عن مستوى قلق الطالب عن طريق رقم معين ليقوم الاختصاصي بتفسير هذا الرقم وإعطاء التشخيص، ومن ثم يتم وضع الخطة العلاجية وهذا ينطبق على المقابلة أيضاً فهي أداة قياسية تستخدم وفق أسس علمية تساعد في التقييم. وبذلك يكون القياس ساعد على فهم وضع الطالب وتشخيص اضطرابه الذي قد يؤثر على مستواه في التحصيل الدراسي ومن ثم يسهل على الاختصاصي بدء العلاج المناسب.
ويرى الباحثون و التربويون إن القياس والتقييم النفسي لا يختلف كثيرا عن القياس والتقييم التربوي ولكن يمكن القول إن الأخير يقيس ويقيم المتغيرات النفسية لدى الطالب في السياقات التربوية والأكاديمية، حيث يفيد القياس والتقييم التربوي في أمور تربوية عديدة مثل الكشف عن الفئات الخاصة كالتفوق والموهبة وصعوبات التعلم ومعرفة قدرات وميول الطلبة والتعرف على  مدى تحقيق الأهداف التربوية، وكما هو معروف فإن الاختبارات التحصيلية كأحد أدوات القياس والتقييم من أهم الإجراءات التي تتم خلال رحلة التدريس والتعليم وخاصة في البلدان العربية وتخصص لها برامج ومناهج تعليمية ليتمكن المعلم من توظيفها بالشكل الأمثل.
وإلى جانب ذلك فإن البحوث النفسية والتربوية والتي تمثل حجر الزاوية بين دراسة وفهم المتغيرات النفسية والجوانب التعلمية وبين الممارسات التربوية الفعلية في كلٌ من الميدانين النفسي والتربوي، فإن تلك البحوث تتم وفق المنهج العلمي الذي يمثل فيه القياس مرحلة مهمة لجمع البيانات واختبارها بشكل موضوعي بعيد عن التحيز لضمان الحصول على نتائج أقرب إلى الدقة يستفيد منها المجتمع.
ومما تجدر الإشارة إليه هو أن موقف القياس والتقييم النفسي او التربوي وتصميم أي أداة قياسية نفسية  لابد أن يتم من قبل المهنيين أو الباحثين أو التربويين وليس غيرهم  فالأشخاص غير الاختصاصيين هم غير مؤهلين لذلك، فمسألة القياس والتقييم النفسي والتربوي مسألة ليست بالبساطة التي يمكننا نتكلم عنه شفهياً أو كتابياً  ، فهو يتعلق بالمتغيرات النفسية للإنسان وتفسير سلوكه الذي تتداخل فيه عوامل كثيرة لا يسعنا المجال لذكرها هنا، هذا من جانب ومن جانب آخر فأن أدوات القياس النفسي لابد من أن تُصمم وفق شروط يحرص خبراء القياس على توفرها لتؤكّد فيما إذا كانت تلك الأدوات جيدة ويمكن استخدامها بثقة وهي شروط أولية تتمثل بالموضوعية والشمول والتقنين بحيث يكون الاختبار يخضع لنفس ظروف الأداء ونفس معايير التصحيح والتفسير ووفق طبيعة المجتمع المعنيّ، وشروط أخرى تسمى بالشروط السيكومترية والتي تتمثل بما يعرف في الأوساط العلمية بـ”الصدق” و”الثبات” فالصدق يعني مدى صلاحية الأداة لقياس ما وضعت لقياسه وأما الثبات فيشير إلى حصول الفرد على نفس الدرجات على نفس الاختبار في حال إعادة الاختبار أو القياس، مما يعني إنه لا يمكن قياس ولا تقييم أي سلوك أو متغير نفسي بتخمين أسئلة عشوائية من غير الأشخاص المؤهلين وطرحها على الأفراد للحصول على تفسير للسلوك أو للتشخيص. 
وفي هذا الصدد نوضح أن التطور التقني والرقمي جعل من القياس والتقييم النفسي والتربوي مجالا علميا يتجه إلى استخدام التكنولوجيا الرقمية والذكاء الصناعي من قبل المهنيين وتصميم أدوات قياس إلكترونية ومختبرات افتراضية للعمل بها عن بعد ووفق الميثاق الأخلاقي للمشتغلين بالمقاييس والاختبارات النفسية. ويجب على أي مستخدم أن يتحقق من أي أداة قياسية إلكترونية متاحة له -  قبل تطبيقها -  بأنها من وضع وتصميم الاختصاصيين والباحثين في المجال لضمان مصداقية نتائجها والتي عادة لابد أن تُدعم بمقابلة الاختصاصي النفسي أو شخص تربوي.
وخلاصة القول إن قياس النفس وتقييمها أمر واقع ومعروف في السياقات العلمية والمهنية لكل من المجالين النفسي والتربوي لا يمكن الاستغناء عنه، بل يجب الاهتمام بتطويره بما يتناسب مع التطورات العلمية والتطور الثوري في التكنولوجيا الرقمية ليستفيد منه العلم النفسي والتربوي في خدمة النفس البشرية التي تمثل محور الحياة. 
 

صورة

فُرص

«فُرصة لا تفوتها». تسمع كثيراً هذا التوجيه الحماسي لك، كي تغتنم الفرصة التي أتيحت لك في موقف ما من مواقف الحياة: في الدراسة، في تعلم شيء جديد، في تطوير المهارات، في استكشاف النفس، في العمل، في تكوين علاقات صحية وصداقات حقيقية، في الزواج، في الانجاب.. وغيرها. ورُغم جمال التعبير في الدَّعم والتشجيع إلا أننا لا نعلم أياً من هذه الفرص الآتية هي درسٌ لنا وأيها مكافأة لتغيير حالنا نحو الأفضل؟ 
نحن في طبيعة الحياة لا نعي بتأكيد صريح أن هذه الفرصة الآتية مناسبة في حقيقتها لواقعنا، لقدراتنا، لدرجة تحملنا لها ومحاولتنا لاستثمارها الاستثمار الأمثل للتحول إلى واقع جميل، لكن الله هدى الإنسان بالبصيرة التي تظهر على هيئة شعور أولي تجاه الأحداث والمواقف، بما يُعرف بالحدس. 
ذلك الشعور الداخلي الذي تتوافق معه إمكاناتنا والفرصة المتاحة؛ فتبدأ النفس في هذه اللحظة في إدراك الفرص من ناحية كونها إما ابتلاء أو مُكافأة، بعدها تتوقّد جذوة الشغف ويبدأ الدافع بتحديد الاتجاه الصحيح نحوها؛ إما في البُعد أو اقتناص الفرصة. لكن، رُغم وجود الحدس، إلا أنه لا يعمل إلا بوجود وعيٍ يجعلنا نؤمن به ليقودنا فعلياً إلى الفرص الحقيقية.
حينما يكون الإنسان في حالة من الضياع والانفصال التام عن الذات، لا يُبصر ما في نفسه من قدرات وإمكانات وكنوز خفية أودعها الله البديع فيه، بل يتشكك ولا يسعى لاستكشاف نفسه ولا يثق في قدرتها على التطوّر والعطاء؛ فتزداد فجوة الانفصال وتزداد معها ضغوطات المجتمع عليه في اقتناص الفرص أياً ما كانت، فيكون شغل الإنسان الشاغل في الركض وراء الأرزاق بلا بوصلة، خوفاً من فوات الفرص وضياع العُمر؛ لذلك تأتي الفرص هنا على صورة ابتلاءات تتفاوت في شدّتها تبعاً لوعي الإنسان بذاته، حتى ينسدل الستار عن البصيرة الواعية والحدس الخفي، ويرتقي معه الإنسان إلى مراتب المؤمنين بالله، الذين يؤمنون بقضاء الله وقدره في ألطافه سبحانه في الأرزاق وتوزيعه العادل لفرص الحياة.
إن فُرص الحياة تأتي تبعاً لدرجة وعينا، فإذا كان الوعيّ منخفضا، تتملكنا مشاعر إثبات الذات والخوف من عدم الإنجاز وبالتالي أحكام الآخرين وآرائهم تجاهنا؛ فنتخذ الفرص من باب الغيرة أو الحسد، من ألا تفوت من قبضتنا، خوفاً من النقص! فيذبل معها الشغف الحقيقي ويزداد السخط على الأقدار، وتتحول الفرص إلى دروسٍ في التطهير العميق للنفس، إلى أن يَصْدق الإنسان مع نفسه ويؤمن أن له رسالة حقيقية يقدمها عبر هذه الفرص للبشرية مهما كان نوعها أو حجمها. هذا الوعي المرتفع، يحوّل الفرص لسلم يرتقي بوعي الإنسان الذي ينبع من قلب سليم، عرف رسالته على الأرض وجاء ليرتفع ويتطور، ويسمح لفرصٍ جديدة قيّمة بالظهور تأخذه ومجتمعه أجمع إلى واقع أفضل.

 

صورة

الحياة الدراسية بألوانها (2)

نكمل حديث المقال السابق؛ قرع الجرس ووقفنا بالطابور واستمعنا للإرشادات والتوصيات والنصائح من أستاذ الطابور، بعدها ذهبت كل مجموعة للصف المخصص لها، دخل علينا الأستاذ لا أتذكر شيء من تلك اللحظة إلا هيئته وهيبته ذلك الأستاذ الضخم معرفا بنفسه باسم «أستاذ علامة» مكملاً: «ولا تخلوني أضع على وجه كل واحد منكم علامة لذلك التزموا الهدوء»، وبسبب الرعب لم أتذكر منه في ذلك الموقف إلا ما دونت لكم، فمرت الساعة وانا مذهول مرعوب مرتجف وخائف. 
كانت صورة غريبة، انا وأبناء جيلي جالسين أمامنا دفاتر وبأيدينا أقلام وهذا الشخص الضخم يتحدث ويتحدث ويبتسم أحيانا ويعبس أحيانا عن ماذا يتحدث لا اعلم فقد كنت مشدودا للمحيط الغريب والالتزام الاغرب فأصدقائي متسمرون في مقاعدهم هؤلاء الذين يشقون الأرض من شقاوتهم، من هذا الرجل الغريب الذي جعلهم بكل هذا الانصياع، تعاقبت الأيام ومرت السنون، وفي كل عام يمر من السنوات الدراسية أجد نفسي اتشبث أكثر فأكثر في طلب العلم وشغفي لا ينتهي، هذا العلم والانفتاح الذي زاد من وعيي في كل حياتي حتى في انتقاء الاصحاب، فما عاد الصديق الطائش المهمش يعنيني، أصبحت طلباتي تتطور في مواصفات الصديق ورفيق الدرب في العلم وفي الحياة، وأصبحت أكثر نضوجاً في اهتماماتي وما يهمني، فصديق المراحل الابتدائية الصغير في عمره وخبراته، غير ذلك الصديق الذي في المرحلة الثانوية وغير ذلك الصديق في المرحلة الجامعية.
هنا رفعت راسي بكل هدوء الى السماء متأملا زُرقتها التي تخللتها اغصان الياسمين وارتسمت على محياها العصافير المحلقة ذهابا وإيابا، آه أيتها الجامعة فأنت جامعة لكل شيء وبك كل شيء، المرحلة الجامعية بالنسبة لي هي مرحلة مفصلية في حياتي، فهي تختلف كلياً عن مراحل الدراسة العامة في المدارس، فهي المصنع الحقيقي لشخصيتي والتي أعود بكل الفضل لها بصقل شخصيتي وما أنا عليه الآن هو نتاج سنوات الدراسة الجامعية، فالمدرسة أعتبرها كتهيئة للأرض من حرث وزرع بذار والجامعة موسم الحصاد. 
هناك تكونت لي الصداقات الحقيقية شاركوني مقاعد الدراسة ومن بعدها انتقلنا الى سوق العمل وكبرنا وكبرت أحلامنا وما زلنا نحتفظ بكل الود والمودة بين بعضنا البعض، فالزمالة الجامعية هي فريدة من نوعها فقد تتجاوز القرابة وحدود الدم، إنها تثري حياتنا وتمنحها عمقاً ومعنى حقيقياً، إنها رابطة قوية تمثل ملجأ للروح ومصدراً للسعادة والفرح لا ينضب، فالصداقة الجامعية تمنحنا الاستقرار النفسي وتعيننا على عواصف الحياة، فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي لا يمكن أن يعيش وحيداً على طول، فالانتماء البشري هو جوهر الوجود، فركزوا يا أبنائي النجباء على الصداقة وكيفيه بنائها والحفاظ عليها، هي أيام أتمنى ان تعيشوها يا أبنائي الطلبة بكل الحب والخير فاحرصوا على ان تعيشوا المرحلة الجامعية بكل اجتهاد وتطلع لوطن يزهو بكم وتزهون به، وفصل صيفي مثمر بجهودكم.
اترككم يرعاكم الله بحفظه لأكمل شرب قهوتي من على شرفتي.

يا الله طالبك يا رب الأرباب
تحفظ الكويت ومن سكن فيها
وتهيء لأميرها كل الأسباب
يقود دفتها للأمام ويحميها
 

صورة

«جمعة مباركة»

هذه الرسالة، او بالأحرى هذه العبارة التي تطل علينا مع بزوغ فجر كل يوم جمعة على هواتفنا النقالة، مزينة بالصورالجميلة والألوان المزركشة والنقوشات الإسلامية المتنوعة، أو تأتينا على باقات من الورد، وأحيانا تأتي مكتوبة على صورة سجادة صلاة وسبحة ومبخرة، أو تأتي عبر مقطع فيديو بخلفيات إسلامية وصوت الدعاء يأسر القلب، هذه العبارة التي تصلك من خلال الرسائل الجماعية قد تزعج البعض منا وأنا أيضا مثلكم قد تزعجني لكثرة ورودها من كل الأشخاص على هاتفي وأحيانا تتكرر الصورة نفسها من غير جهة.
من هذا الباب قررت أن أبتعد عن النت فترة من الزمن جازما أن غيابي سيربك من هم حولي فقطع النت أسبوعا كاملا مثلا ليس سهلا على من اعتادوا على تواجدي بينهم ومعهم في مواقع التواصل، فجاء القرار بالابتعاد لمدة عشرة أيام من الأربعاء منتصف الليل حتى نهار الأحد من الأسبوع الذي يليه، ابتعدت عن كل شيء، ونظرا لانشغالي ببعض الأمور الأكاديمية والخاصة مرت تلك الأيام وكأنها يوم واحد.
جاءت لحظة الصفر حيث أنني كنت متلهفاً لفتح الهاتف وإعادة شبك النت، كنت أتخيل أن أصدقاء الطفولة وزملاء الدراسة والعمل والأهل والإخوان والجيران وأبناء العمومة والأقرباء منشغلو  البال وقلقون، يتساءلون ما الذي حصل أو جرى كوني غير متصل على النت، وغير متواصل وكنت أخاطب نفسي وظننتني كنت قاسيا باختفائي وإشغال بالهم.
حين فتحت الهاتف فإذا بهاتفي يغرد ويغرد باستقبال الرسائل من كل حدب وصوب، قد أستغرق دقائق حتى استعاد صوابه وهدأت أصوات هذه المسجات واستقر هاتفي على (لديك عدد ... من الرسائل غير المقروءة). فرحت كثيراً أنني لم أغب عن أذهانهم، لقد افتقدوني بهذه الأيام المعدودة (قلت لنفسي)، ولكن صدمتي تعاظمت حين رأيت بأن كل ما وصل لهاتفي عبارة عن بطاقات وفيديوهات تحمل عبارة «جمعة مباركة»، كل هذا الكم من الرسائل كلها «جمعة مباركة» فتشتها بتوتر علني أجد أحدا يسال عن أحوالي، أو أجد أحدا لاحظ غيابي فلم أجد.
لم أجد بين الرسائل ما يعبر عن الاهتمام، لقد أصبح الأمر عادة لدى الجميع، بطاقة مكررة لا يكلف إرسالها لكل المتواجدين سوى كبسة زر، أهذا ما أصبحنا عليه الآن؟ إنها الحقيقة، لم يعد هناك من يقرأ تلك الرسائل، فقد استلم ثم سلم، استفزتني التجربة فقمت يوم السبت بوضع عبارة على حسابي في مواقع التواصل، قلت فيها: «في صباح يوم هذه الجمعة أدعو الله كذا كذا» كانت مزحة إداعب فيها البعض، لكنني واجهت سيلا من الرد المباشر: (آمين.. آمين)، لم ينتبه أحد من المتفاعلين بأننا في يوم السبت، تيقنت من شكوكي بأن الكثير من الرسائل تمر علينا دون النظر فيها أو معرفة ما تحتويه، فقد أصبح الأمر ديناميكيا محضا.
وأخيراً: فالرسالة الحقيقية عزيزي القارئ هي تلك الرسالة الموجهة لك ولشخصك أنت، أنت بعينك دون غيرك، كلماتها وعباراتها تخصك أنت فقط  لا غيرك، فالاهتمام والاحترام يظهر في هذه العلاقات بتخصيص وخصوصية الرسائل، وليس رسالة إلى الجميع قد لا نعي فحواها. لذلك عندما تأتيك رسالة جماعية بـ «جمعة مباركة» افرح فأنت من ضمن قائمة الاهتمام غير المهمة في جهاز المرسل، و «جمعة مباركة».

 

صورة

الموظفون الإداريون.. قصص من خلف الكواليس

موظفو الجامعات هم الوجوه التي لا تظهر في مقدمة المشهد لكن حضورهم العميق يجعل كل تفاصيل الحياة في الإدارات و الكليات ممكنة من عمل اداري و تجهيز  القاعات وتنسيق الجداول إلى متابعة شؤون الطلبة و الخدمات و الامن و الصيانه  والحرص على استقرار كل الإجراءات الإدارية هم النبض الذي لا يتوقف خلف الكواليس.
قصصهم اليومية لا يعرفها الكثيرون لكنها مليئة بالتفاني والمرونة والقدرة على التكيف مع تحديات متغيرة، هم الذين يحملون ثقل التفاصيل الإدارية والمالية و الفنية ويجعلون من الجامعة مساحة يسودها النظام في كل خطوة.
دائماً  الموظف الإداري هو أحد عناصر القوة في  المؤسسة من الداخل وعندما يمتزج الحماس بالطموح والخبرة  نجد موظفين قادرين على تجاوز التحديات وتقديم أفضل ما لديهم بروح عالية.
إن كل مؤسسة ناجحة تحمل في قلبها موظفين لا يكلون عن العطاء يعملون كأنهم يكتبون قصة نجاح لا تحمل أسماءهم لكنها تحمل بصمتهم  كلوحة فنية بشرية تنسجم معًا لتشكيل صورة متكاملة نابضة بالحياة.
في هذه اللوحة لا يمكن لأي قطعة أن تكتمل أو تتألق بدون الأخرى، الموظفون الإداريون بكل مهامهم ومسؤولياتهم المتنوعة هم الركيزة التي تستند إليها العمليات اليومية فهم الرابط الحيوي بين الأقسام العلمية واعضاء هيئة التدريس و الطلاب والإدارات المختلفة تتنوع أدوارهم مما يجعلهم جزءًا لا يتجزأ من نجاح المؤسسة التعليمية.
إن التعاون والتنسيق بين الموظفين بغض النظر عن تخصصاتهم أو خبراتهم يخلق بيئة عمل متناغمة تعكس روح الفريق الواحد هذه الروح هي التي تجعل مجتمعًا حيويًا يعج بالإبداع والتفاعل.
في النهاية الموظف ليس مجرد رقم أو وظيفة بل هو جزء من لوحة فنية حية تشكل بتكاملها صورة الجامعة بأبهى حللها.

 

هل المنهج هو كل ما يتعلمه الطالب؟

تحرص المؤسسات التعليمية مستعينة بجهود التربويين بتصميم مناهج تربوية تعليمية تحدد خارطة الطريق للوصول بالتعليم إلى تحقيق الأهداف التربوية. فالمنهج يوضع بإشراف التربويين والمدرسة « أو المؤسسة التعليمية والأكاديمية أياً كان نوعها» حتى يكون بين يدي المعلم - وكل من يقوم بالتعليم بحسب نوع المؤسسة التعليمية التي ينتمي إليها- ما يلبي التعليم وفق احتياجات التنمية الشاملة والتي يفترض أن تكون «تنمية مستدامة» في وقتنا الحالي.  ويمكن تعريف المنهج التربوي أو الذي يُسمى أحياناً المنهج التعليمي بإنه برنامج يشمل كل الأنشطة والممارسات المطلوبة لتعليم وتدريس الطلاب في المدرسة أو خارجها للوصول بهم إلى أقصى حد من قدراتهم المعرفية والسلوكية من خلال تقديم المعرفة والمعلومات وإكساب القيمّ المتوافقة مع ثقافة وأيدولوجية المجتمع. والقارئ في الأدب التربوي سيجد الكثير من التعاريف تتضمن هذا المعنى، وقد يضيف بعض الباحثين جوانب أخرى إلا إنها لا تغيّر في المعنى الكثير.
وبحسب قول كل من الباحثين عبد الحميد وعلي إن المنهج هو الركيزة الأساسية في المنظومة التربوية فبه يبدأ المعلم تعليم طلبته، وتشتت المعلم وعشوائيتة في التدريس هو المتوقع دون وجود منهج سليم مبني على أسس تعكس الاحتياجات التربوية منهج واضح المكونات. وكما هو معروف في الميدان التربوي أن المنهج العلمي يتكون من الأهداف، المحتوى الدراسي «الكتاب عادة» طرائق التدريس، الأنشطة التعليمية، الوسائل التعليمية والتقويم بأنواعه. 
إن من أهم الأمور التربوية التي يتم ملاحظتها تأثر مفهوم المنهج ومكوناته على مر الأزمان وفي مختلف المجتمعات بعدة أمور منها على سبيل المثال التطورات الاجتماعية والتطورات في النظريات النفسية والتربوية المرتبطة بطبيعة تعلم الإنسان إضافة إلى التقدم التكنولوجي وما أحدثه من تغيرات في السلوكيات الإنسانية والقيم الاجتماعية وهذا ساهم في تعرض المناهج التربوية إلى تحديات كثيرة مما دعا الباحثين والمهنيين إلى الاجتهاد في تطوير المناهج وكانت أحد نتائج ذلك ظهور عدد من المسميات والأنواع للمناهج تساعد على الدراسة الموضوعية لها ومن ثم تطويرها ومن تلك الأنواع  المنهج البيداغوجي المنهج التقليدي المنهج الدراسي المنهج الحديث المنهج الرسمي المنهج الواقعي والمنهج الخفي، وما يُميز تلك المناهج بأنها محددة واضحة ومكتوبة وتحتوي معلومات صريحة ما عدا المنهج الخفي. ويُذكر المنهج الخفي في الأدب التربوي بأسماء مختلفة مثل المنهج غير المكتوب، المنهج الصامت، المنهج غير الرسمي المنهج غير المقصود والنتائج الجانبية للتعلم.
فالمنهج الخفي يُعبر عن الخبرات والممارسات غير المقصودة في العملية التربوية والتعليمية إلا إنها مصاحبة لها، ووضع التربويين تعريفات كثيرة لتوضيح معنى هذا المفهوم وكلها تشمل فكرة واحد هي الجوانب المضمرة في الحياة التربوية سواء كانت إيجابية أو سلبية حيث إن الطلاب قد يتعلمون في المدرسة أو المؤسسة التعليمية أمور غير متوقع تعلمها وقد يتعرضون لخبرات وأحداث أكثر مما تعلنه البرامج والمناهج الرسمية. 
وذكر الدكتور علي وطفه -عضو هيئة التدريس في كلية التربية في جامعة الكويت –أمثله في دراسة له لما قد يتعلمه الطالب خارج المنهج الدراسي اقتبسنا منها ما يلي مع إضافتنا لبعض المضامين النفسية: 
- تعلم الحياة في مجموعة مغلقة - كيف يكون له أدوار مختلفة بحسب المجموعة التي ينتمي لها – التعاون والتضامن مع الآخر- الانضباط والسيطرة على الغضب ونبذ العنف - يتعلم أن يحلم وأن تكون له أهداف - كيف يمكن أن يكون له رأي في أي موضوع - ممكن أن يتعلم أهمية فاعليته الذاتية والاعتماد على النفس يتعلم المديح والكلمة الطيبة وأثرها في النفوس وكيف يقدم الإطراء- ضبط نفسه والصبر والعمل بأعمال لم يكن يرغب بها- تجاوز الحدود الرفض واللامبالاة المراوغة والتهرب من المسئولية في حال عدم جدية المدرسة بتطبيق اللوائح والقوانين- تعلم الحذر من الآخرين لتجنب بخس حقه في نتيجة واجباته والمهمات التعليمية - كيف يتكيف مع التنمر وكيفية صده.
إن الواقع التربوي يُبين لنا إن المنهج الخفي هو منهج يحدث ضمن التفاعل الاجتماعي بين المُنتسبين للمؤسسة التربوية فقد يكون بين الطلاب مع بعضهم البعض، وقد يكون بين المعلم وطلابه، فعندما يحدد المعلم موعد لإعداد المهمات والواجبات الأكاديمية، وعندما يثني المعلم على الطلاب الذين التزموا بهذا الموعد فإنه بذلك يكون قد ُعلم طلابه الانضباط والالتزام بالمواعيد وتحديد الأولويات، ولكن دون أن يصرح بذلك فهو تعلم خفي يدخل في مفهوم المنهج الخفي. 
في الحقيقة إن المنهج الخفي يُخبرنا بأن كل طالب يتعرض لخبرات ذاتية خلال رحلة تعلمه وبلا شك هي خبرات تساهم في رسم شخصية الطالبة وتشكيلها تربوياً، وبذلك يمكن القول إن الطالب يتعلم المنهج والنواتج الجانبية للتعلم بما لها وما عليها من أمور تؤثر وتتأثر بجوانب سيكولوجية عديدة، سنوضحها في المقالة القادمة.

إعداد أستاذة مها خماس السعد
إختصاصية نفسية – قسم علم النفس التربوي – كلية التربية

 

صورة

صلينا واعتمرنا

أرجوحة

إن الحياة مليئة بالمتناقضات والمفارقات، والناس معادن وأصناف، فلا تعجب عزيزي القارئ إذا رأيت ما يثير العجب من أفكار الناس وسلوكهم وتصرفاتهم، و اعجب إذا لم تعد تصادف المدهشات والغرائب، ولكن أعجب العجب هو أن تجد إنساناً منحه الله تعالى العقل وحصل على أعلى الشهادات الجامعية، ثم يتنكر لخالقه وعقله وعلمه، فينكر وجود الله سبحانه، ويصر على غيه وضلاله وإلحاده، ولا يكتفي بذلك بل يحاول أن يشكك المؤمنين في عقيدتهم، كي يجرهم إلى الهاوية في الدنيا والآخرة، فيخسروا سعادتهم في العاجلة ويهووا إلى النار والعياذ بالله في الآجلة. 
حدثني صديق لي فقال: أنا كما تعلم موظف في إحدى الدوائر الحكومية - ملتزم بالصلاة منذ طفولتي المبكرة، فقد حرص والدي أن يعلمني الصلاة منذ وعيت، وكان يصطحبني معه إلى المسجد ولا سيما في صلاة الجمعة، فالتصق قلبي ببيوت الله، فإذا دخلت لأصلي شعرت كأني وضعت هموم الدنيا جانباً وأخذت قسطاً من الراحة يساعدني على مواجهة الصعاب والأزمات - وكان يجاورني في المكتب الذي أعمل به أحد الزملاء ولي علاقة طيبة به، إلا أن علاقتنا اقتصرت على وقت الدوام فقط، فلم أزره ولم يزرني، ولا أعلم عن حياته الخاصة سوى أنه متزوج وأب لثلاثة أولاد، وفي أحد الأيام كلفتنا الوزارة بالسفر معاً في مهمة إلى إحدى الدول الأجنبية، فسافرنا في طائرة واحدة ونزلنا في غرفتين متجاورتين في أحد الفنادق الضخمة، وكان لابد أن نذهب معاً ونعود معاً كل يوم لأن مهمتنا واحدة، و ذات مرة تأخرنا في أحد الاجتماعات وكادت تفوتني صلاة الظهر لقرب دخول العصر علينا، فلما خرجنا من الاجتماع قلت لزميلي: هيا نبحث عن مكان نؤدي فيه الصلاة، فرد ما رأيك أن نتغدى أولاً؟ فقلت له لا وقت لدينا، تعال معي، فنحن نستطيع أن نتوضأ ونصلي في هذه الحديقة، لكنه لم يظهر أي حماس وحاول أن يتملص، ولما ألححت عليه التفت إليّ وقال: من صجك تصلي؟ لا يكون مصدقاً في عذاب وحساب وغيره من ...؟!! ولا أكتمك أنني صدمت وذهلت، فما كان يخطر في بالي أنه لا يصلي ولا يؤمن بوجود الله والعياذ بالله من هذا، ليس هذا فحسب، بل حاول أن يثنيني عن الصلاة ويشككني فيها، ولا بد أنه لاحظ دهشتي فأردف وهو يبتسم ابتسامة خبيثة: ما كنت أظن أن عاقلاً مثلك يتمسك بالصلاة إلى هذا الحد! تسارعت الكلمات إلى فمي، لكنني فضلت أن أرد عليه بعد أن أصلي، وأسرعت إلى الحديقة فتوضأت وصليت ثم عدت إليه، وكان قد سبقني إلى مطعم قريب، فتناولنا الغداء معاً، و كانت الابتسامة تملأ وجهي، وفي وجهه علامات تعجب كثيرة، وأحببت أن أريح صاحبي وأرتاح، فقلت له: ماذا تقول عن إنسان يغسل يديه ووجهه ورأسه ورجليه خمس مرات يومياً؟ فأجاب: هذا التصرف محبب وصحي ويجعل صاحبه في يقظة وحيوية دائماً، ولاسيما أن جسم الإنسان معرض في كل لحظة للميكروبات والغبار والأقذار، التي تسبب له المرض والإعياء، فقلت له: أنا ذلك الإنسان الذي يغتسل خمس مرات يومياً، ويفعل ما أفعله مئات الملايين من المصلين، فماذا تفعل أنت؟ فازدادت علامات التعجب في وجهه، ولم ينبس ببنت شفة، فأحببت أن أريحه أكثر، فقلت له: ما رأيك بإنسان منظم أشد التنظيم في وقته ومواعيده؟ فعرف ما أرمي إليه ولم ينطق بكلمة، فبدأت أحدثه عن الصلاة واقتصر حديثي على فوائدها الصحية فقط، فقلت له: أثبتت الدراسات الطبية أن أوقات الصلاة الخمس تنسجم تماماً مع أوقات نشاط الجسم الفسيولوجي، فكأنها تنظم عمله وتضبط إيقاعه، وذلك يجعل أجهزة الجسم تؤدي عملها بأعلى درجة من الكفاءة والطاقة، فوصل عجب صديقي إلى ذروته، فتابعت حديثي: إن حركات الصلاة من سجود وركوع وسوى ذلك، تقوي المفاصل وتلينها وتنشط الدورة الدموية وتقلل الإصابة بمرض الدوالي، إضافة إلى أنها تريح النفس وتخفف التوتر عنها، وتعالج الأرق وتساهم في القضاء على القلق، لأنّ المصلي يَكِلُ أمره إلى الله تعالى، فلا يخاف الغد، فرفع صاحبي يده بصمت وأشار لي أن أتوقف، ثم أخذ نفساً عميقاً وقال لي: منذ تعرفت عليك قبل ثلاث سنوات وأنا أشعر بانجذاب خفي إليك على الرغم من اختلافنا في التفكير والسلوك، وها قد جاءت اللحظة المناسبة لأعرف سر ذلك الانجذاب، فكأن الله سبحانه وتعالى وضعك في طريقي كي تردني إلى الحق والصواب وتزيل تلك الغشاوة عن عيني، فإنني والله ممتن لك لأنك انتشلتني من مستنقع الشك والحيرة والضياع، ودللتني على المحجة البيضاء، فجزاك الله خيراً، لاهتمامك بأصدقائك وإخوانك المسلمين، وتابع: قم بنا نتوضأ ونصلي العصر، وعند عودتنا لأرض الوطن، أعددنا العدة لرحلة ثانية إلى البيت العتيق، لأداء مناسك العمرة، والجدير بالذكر أن صاحبي هو من كان يحدثني عن فوائد العمرة والحج.
أعزائي الطلبة: لا تترددوا أن تكونُوا مثل صديقي مع صديقه، «فالكم النجاح وإجازة سعيدة» روحوا للعمرة وصلُوا وأدعوا لي.

أ.د. مناور بيان الراجحي

 

القوة التربوية الصامتة ووجهة نظرة نفسية

بات معروفاً لدى التربويين إن تعلم الطالب في المدرسة أو المؤسسة التعليمية لا يقتصر على ما تعطيه المناهج من دروس ومعارف وإنما هناك قوى صامتة تساهم في التعلم والتربية تتمثل في المنهج الخفي، ويشار للمنهج الخفي في أدبيات علم التربية على إنه الخبرات والممارسات المصاحبة للعملية التربوية والتي تكون في الغالب غير مقصودة وغير مخطط لها، فهو كل ما يحدث للطالب في الحياة التعليمية الأكاديمية من أحداث يتعلم منها ومواقف تساهم في تشكيل مفاهيمه الحياتية وسلوكياته. 
وكما ذكرت «كاسيريس» في مقالة لها معنونة بـ” تعريف المنهج الخفي: القوة الصامتة وراء نجاح الطلاب” على التربويين النظر إلى الجانب الأعمق في التربية والتعليم وهو المنهج الخفي الذي يعد مفتاح يعزز وجود بيئة إيجابية يمكن للطلاب النجاح بها، حيث إنه يتضمن التفاعلات الاجتماعية التربوية المتمثلة في تفاعل المعلم مع طلبته وتكوين العلاقة الإنسانية معهم وتفاعل الطلبة مع بعضهم البعض وتفاعل الإدارة التربوية مع كافة المنتسبين للمؤسسة التعليمية. وتشير الدراسات السيكولوجية إلى أن التفاعلات الاجتماعية في السياقات التربوية التعليمية كثيراً ما تتأثر وتؤثر بعدد من المتغيرات النفسية كالفروق الفردية، التفكير ومهاراته، تحقيق الذات، وجهة الضبط، ، انتقال أثر التعلم والتعلم بالنمذجة، ومما لاشك فيه إن التعلم هو جوهر التربية والتعليم وبنفس الوقت هو موضوع لعدد من النظريات النفسية التي تناولته بالبحث و الدراسة ففسرت طبيعته وطورت قوانينه لمعرفة كيفية الاستفادة منه في وصف وتفسير والتنبؤ بالسلوك الإنساني. لذا سنركز في الأسطر التالية على توضيح كل من التعلم بالنمذجة وانتقال أثر التعلم كعناصر نفسية أساسية في المنهج الخفي.
التعلم بالنمذجة يعتمد على مبدأ إن الإنسان كائن اجتماعي يتأثر ويؤثر بالجماعة التي يعيش معها فيتم التعلم من خلال تقليد الفرد ومحاكاته لسلوك نموذجٌ ما وقد يكون امر شائع في السياقات التعليمية التربوية أن يقلد الطالب سلوك وأفعال معلمه «القدوة» وبالتالي يتعلم ذلك السلوك دون تخطيط لا من المعلم ولا من الطالب فيتم التعلم بشكل خفي وفقاً لتعريف المنهج الخفي.  فينبغي على المعلم أن يكون مدرك ومتيقظ لهذا الأمر فعلى سبيل المثال على المعلم أن يحرص على الأسلوب الجيد في الكلام والكلمات المهذبة في حديثه ليتعلم طلبته منه وأن يبتعد عن الكلمات السيئة غير اللائقة.
أما انتقال أثر التعلم كمفهوم نفسي تربوي فإنه يشير إلى إمكانية تطبيق المعرفة والتعلم السابق على فهم وتعلم الجديد وهذا هو المتوقع من التعلم والتعليم، فيتمكن الطالب من نقل ما تعلمه إلى خارج المدرس وفي مواقف شبيه بموقف التعلم. فمن المهم أن يؤدي المعلم مهامه التدريسية والتربوية آخذاً في الاعتبار انتقال أثر ما يتعلمه الطالب إلى حياته الشخصية فيحل أي مشكلة يتعرض لها بالطريقة التي تعامل بها ذهنياً في حل المشكلة أو المسألة في الصف، فيفكر بشكل منطقي ويستخدم مهارات التفكير لتجاوز العقبات اليومية سواء في بيئة المدرسة مع أقرانه أو في حياته الاجتماعية خارج أسوار المدرسة. 
وكمثال لانتقال أثر التعلم حل الاختبارات التحصيلية من نوع أسئلة الاختيار من متعدد فهو نوع من الأسئلة الذي يعلم الطالب ـ وبشكل خفي غير مباشر - كيفية التصرف في حال تعرضه لموقف يتضمن عدد من الاختيارات لحله وحل الصراع النفسي إزاء ذلك الموقف باختيار الأفضل أو الأكثر صحة من البدائل.
وفقاً لسعي الحكومات وأصحاب القرار لتحقيق كل ما يساعد في التنمية المستدامة فإن على التربويين والباحثين في المؤسسات التعليمية التربوية تسليط الضوء على المنهج الخفي ليُستثمر في تكوين السلوك المستدام لطلبة العلم. 
وتوضح الدراسات النفسية السلوك المستدام على أنه أي سلوك هادف يظهر من خلال الإجراءات الموجهة للمتطلبات الاجتماعية والفردية لحماية البيئة وتحقيق رفاهية الفرد والمجتمع وبما لا يهدد احتياجات الأجيال القادمة. 
وأي سلوك يمكن اكتسابه أو تعديله بالتعلم بالنمذجة ويمكن انتقال أثر هذا التعلم لمزيد من الخبرات والمواقف ، ولاعتبار إن المنهج الخفي قوة صامت في السياقات التربوية فإنه قد يساهم بشكل كبير في تشكيل السلوكيات والمفاهيم الحياتية للطالب كما ذكرنا في بداية هذه المقالة والذي يجب أن تتمحور حول الاستدامة.
وخلاصة القول إن المنهج الخفي لا يقل أهمية من المنهج الرسمي الذي يصرح به التربويين بل يجدر أن يُدرس ويُبحث بتعاون الباحثين في الميدانيين التربوي والنفسي ويجب الحرص على تثقيف الإدارات التربوية والمعلمين لمعرفة كيفية تحليل وتوظيف القوة الصامتة في الحياة التعليمية والأكاديمية وبما يتناسب مع تغيرات العصر والتطورات المتلاحقة في مجتمع المعرفة والمجتمع العام.

إعداد أستاذة مها خماس السعد
إختصاصية نفسية – قسم علم النفس التربوي – كلية التربية
 

صورة

هُوِيَّةُ الجامِعَةِ… مَسؤُولِيَّةٌ جامِعَةٌ

عامٌ جديد… ورسالةٌ متجددة

مع بزوغ فجر العام الجامعي 2025–2026، تستقبل جامعة الكويت أبناءها وبناتها في رحلة جديدة من طلب العلم، وبناء الفكر، وصناعة المستقبل. إنها ليست مجرد بداية فصل دراسي جديد، بل هي انطلاقة متجددة لهوية راسخة، ومسؤولية جامعة، ورسالة وطنية كبرى تلتقي فيها آمال الطلبة وجهود الأساتذة ورؤية القيادة.

طلابنا الأعزاء:
أنتم اليوم صُنّاع الغد، وركائز النهضة، وأمل الوطن الممتد عبر الأجيال. الجامعة ليست محطة عابرة في حياتكم، بل هي ميدان للجدّ، وفرصة لبناء الذات، وصقل القدرات، وإطلاق العزائم. تذكّروا أن الهوية الجامعية لا تُبنى بالشهادات وحدها، بل تُصاغ بالقيم، وتنمو بالمسؤولية، وتترسخ بالإبداع. فاجعلوا نياتكم خالصة لله، واعلموا أن العلم عبادة وسلوك، كما هو معرفة ومنهج.

أساتذتنا الكرام:
بكم تُبنى العقول، وتُصان القيم، ويُرسم المستقبل. إن عطاءكم لا يُقاس بساعات التدريس، بل بما تزرعونه من فكر راشد، ونموذج راسخ، ورسالةٍ خالدة في نفوس طلابكم. أنتم العمود الفقري لهذا الصرح، وحملة رسالته، وقادة مسيرته. فجزاكم الله خيرًا على ما تبذلون من وقت وجهد وإخلاص.

جامعتنا العريقة:
لقد أثبتت عبر العقود أنها ليست مؤسسة تعليمية فحسب، بل منارة وطنية وقومية، تُسهم في بناء الإنسان الكويتي، وتعزيز مكانة الكويت بين الأمم. واليوم، مع اكتمال مرافق مدينة صباح السالم الجامعية، تتعزز البيئة الأكاديمية لتكون أكثر إشراقًا وتكاملًا، وتمنح أبناء الجامعة فرصًا أوسع للتعلم والإبداع في أجواء عصرية متطورة.

أيها الأحبة…
إن هويتنا الجامعية ليست شعارًا يُرفع، ولا خطاباتٍ تُلقى، بل هي التزام عملي وسلوك يومي يجمع بين أصالة القيم، وحداثة الفكر، وعمق الرسالة. ونحن، في مستهل هذا العام، مطالبون بأن نكتب فصولًا جديدة من قصة جامعة الكويت، بفكرٍ مسؤول، وروحٍ متعاونة، وإرادة لا تعرف الوهن.

فلنفتح دفاتر هذا العام الدراسي بأمل كبير، ونية صافية، وعزمٍ متين، ولنجعل من العلم قوةً للوطن، ومن الهوية حصنًا للأمة، ومن المسؤولية وعدًا لا يخلف. فجامعة الكويت لم تكن يومًا مجرد جدران، بل كانت ولا تزال قلبًا نابضًا بالمعرفة، وروحًا متوهجة بالرسالة.

الهُوية:
هوية الجامعة مسؤولية مشتركة، ورسالتها أمانة متجددة؛ فلنكن جميعًا – طلابًا وأساتذة وإدارة – على قدر هذه المسؤولية، نرفع راية العلم، ونبني صرح الهوية، ونُهدي الوطن مزيدًا من المجد والريادة.

 

صورة

حوكَمَــة استِخــدام الذَّكــاء الاصطنــاعيّ فــي البَحــث العلمــي: إِطــارٌ أخلاقــيٌّ ومنهجــيّ

يبدو حالياً أن الذكاء الاصطناعي المتمثل في برامج على شاكلة Chat Gpt و عداه قد صار داخلاً و بقوة في كثير من الأبحاث التي نقرأها في المجلات الصادرة عن جامعة الكويت و الجامعات العربية، سواءً في العلوم البحتة أو في العلوم الإنسانية. لا شك أننا نعرف جميعاً أن كثيرين من منتسبي جامعاتنا العربية من أعضاء هيئة التدريس الشباب، و قبلهم الطلبة المنتظمون و طلبة الدراسات العليا، يعملون بالاستعانة به، بصمتٍ و خجل.
و من البساطة الاستعجال هنا بالقول أن الأمر ينطوي على عدم أمانةٍ علمية، فالحقيقة هي أن الاستعانة بالذكاء الاصطناعي حول العالم صارت أمراً ممكناً و مشروعا، و ممارسةً لا بأس بها أكاديمياً باعتبار أن هذا هو اتجاه المستقبل، و لكن الأمر يتطلب الإلتزام بحدودٍ و ضوابطٍ معينة (كالاقتصار في ذلك على مراجعة الافكار و التنظيم و التصنيف و الضبط اللغوي و الصياغة و الفهرسة و الهوامش و البحث عن المراجع و تحسين الصور الخ) فهذه كلها أمور لا بأس بها. بل و هناك أكثر من ذلك مما يُسمح به بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي، و لكن فقط بعد: (1) وضع ضوابط الاستعانة بالذكاء الاصطناعي، ثم (2) التصريح و الإعلان عن الاستعانة بالذكاء الاصطناعي بداخل متن البحث، بوضوحٍ و شفافية.
و بطبيعة الحال، فإن للأبحاث الأكاديمية صرامتها اللازمة و سَمْتُها المعروف الذي من دونه لن يكون لها قيمة علمية أو مصداقية بحثية، و هي تقوم على أعلى درجات الأمانة و الإنضباط و ما يتعلّق بهما من قيم الأصالة و الإلتزام و الوضوح، إلا أن هذا لا يتعارض مع استخدام الذكاء الاصطناعي بحدودٍ منضبطة، متى ما كانت هذه الحدود معيّنة و مبيّنة سلفاً و بصراحة في مقدمة البحث أو خاتمته او هوامشه. إذ من المهم هنا أن يكشِف الباحث عن استخدامه للذكاء الإصطناعي في بحثه بصورةٍ علنيّة و أن يبيّن حدود هذه الاستعانة، بحيث يكون هذا الكشفُ شكلاً من أشكال التنبيه القانوني أو البيان الانضباطيّ (disclaimer). 
لا شك أن الأمر بذلك سينطوي على حوكمةٍ لازمةٍ للبحث العلمي. ففي مجتمعنا المعاصر لم تعد اللوائح الجامعية كافية لأنها لا تعبر إلا عن المعيار القانوني الفني فقط، بما يعني أنها تعكس الجانب الإجرائي للبحث دون القيمي، و هذا هو السبب في قيام الحاجة لحوكمة العمل الأكاديمي، لا سيما في جانبه المتعلق بالأبحاث.
و أذكر أنني في بداية هذا العام قد حضرت محاضرةً مخصصةً لاعضاء هيئة التدريس في جامعة الكويت، كان المحاضر فيها أستاذٌ أكاديميٌّ بريطانيّ هو محرّر مجلة Nature العلمية، أشار فيها الى هذا الموضوع، مبيناً أن استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي صار مقبولاً، شريطة الإلتزام بالضوابط التي وضعتها المجلة.
و يُشار إلى أن الأمم المتحدة قد خرجت مؤخراً بتقريرٍ أسمته Gen AI for the Global Goals، و هو يهدف إلى دراسة و توجيه كيفية تسخير الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) في خدمة أهداف التنمية المستدامة (SDGs) السبعة عشر التي سبق أن أقرتها الأمم المتحدة عام 2015 (تنويه – هذه المعلومة استخرجتها باستخدام الذكاء الاصطناعي). و قد تقرر أن يصدر هذا التقرير بشكلٍ سنوي، بحيث ينضم إلى تقارير الأمم المتحدة السنوية الأخرى مثل تقارير «التنمية البشرية» و «حقوق الإنسان» و «التجارة و التنمية» و عداها. لا شك أن هذا أمرٌ مهمٌ و له دلالاته الجليّة.
إن الإشكالية التي أراها في جامعتنا الآن هي أن كثير من الأساتذة الزملاء و قبلهم الطلبة لا يعرفون ما هي هذه الضوابط و الحدود، و هذه مسألة هامة، لان عدم معرفة الباحثين بذلك في أبحاثهم المنشورة يمكن أن يدخلهم في ممارساتٍ قد تصل بهم – بحسن نية و من دون قصد – الى الوقوع في السرقات العلمية أو تأليف معلومات غير حقيقية أو ادّعاء مراجِع لا وجود لها، من دون أن يعلموا بذلك. 
إن منتسبي الجامعة الآن من أساتذة و طلبة هم أبناء زمنهم، و لذلك فلا شك أنهم سوف يستخدمون الذكاء الاصطناعي لا محالة. و لذلك، فإنه من التطورات الأخيرة و المحمودة مؤسسياً – التي يبدو أن كثيرين منا مازالوا لا يعلمون بها – هي أن جامعة الكويت قد أصدرت مؤخراً (نوفمبر 2024) دليلاً أسمته «سياسة الذكاء الاصطناعي التوليدي  (GenAI)لجامعة الكويت» لمنتسبيها من طلبة و أعضاء هيئة تدريس، يمثل قواعد الاستعانة الأكاديمية بالذكاء الاصطناعي و حدودها. لذلك، فإن جامعة الكويت قد فعلت حسناً بوضعها إرشاداتٍ واضحةٍ لهم بشأن حدود هذه المسألة و تنظيمها، أي تحديد الإطــار الأخلاقي و المنهجي لحوكمة استخدام الذكاء الاصطناعي فــي البحث العلمي. و أنوه هنا إلى ضرورة الإلزام بهذه القواعد و الإلتزام بها. و رغم أن هذه القواعد تمثل بداية طيبة، إلا أنها من جهةٍ ما زالت بحاجة الى المزيد من التوسّع و الوضوح، و من جهةٍ أخرى فإن الحاجة مستمرة إلى قيام الجهة المصدِرة بالمراجعة و التطوير الدوريّين، مثلما يتطلب هذا المجال المتحرّك دوما.
لقد قيل أن مفهوم الحوكمة تختلف معاييره باختلاف أهدافه، فيُلاحظ  – مثلاً – أن «المعايير الإنسانية» واضحة في تقرير التنمية الإنسانية العربية، و «المعايير السياسية» جلية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، كما أن «المعايير الاقتصادية» بارزة في أعمال البنك الدولي، ناهيك عن أن «المعايير الإدارية» هي ما تركز عليه منظمة التعاون الإقتصادي. لكل ذلك، و لأن شمس الذكاء الاصطناعي قد بزغت الآن، فأنا أنبّه إلى أنه قد آن أوان الخروج بـ «معايير أكاديمية» لحوكمة البحث العلمي في الجامعة. 
شئنا أم لم نشأ: لقد تغيّر الزمان، و تغيّرت معه أساليب الدراسة و البحث في جامعة الكويت، و هو أمرٌ لن تفيد محاربته بجمود، بل المطلوب هو التعاطي معه بذكاء. لا شك أننا قادرون على ذلك.
 

صورة

لا تكن سبهللا!

الفراغ والجلوس بدون عمل شيء، وتوالي الأيام علينا، وتتابعها دون أن نشغل أنفسنا بشكل يومي، قد يفتح علينا أبواباً من الشر، خاصة وأن الفراغ – مالم يتم استغلاله- لا يأتِ بخير. لذا من أفضل العلاجات للشعور بالملل أو الاكتئاب أو الضيقة وسوء المزاج، هو أن تشغل نفسك بعمل شيء، ولو أن تخرج من المنزل للنزهة، أو لشرب القهوة مع صديق، أو حتى لزيارة العائلة.. المهم أن تفعل شيئاً، ألا تجلس هكذا بدون عمل، فهذا – في ظني- مبعث كل شر، ومبدأ كل سوء.
يمكنك فعل الكثير في يومك، وفي حياتك. يمكنك تعلم مهارة جديدة أو احياء مهارة قديمة، أو حضور دورة تدريبية عبر الإنترنت، أو متابعتها عبر اليوتيوب، واستمع إلى بودكاست تعليمي يفتح لك آفاقاً جديدة، وأن تجعل صحتك النفسية أولوية، وأن تمارس الرياضة يومياً، أو تقرأ كتباً في مجالك، أو تبدأ في عمل مدونة، أو كتابة اليوميات، أو تتواصل مع أحبائك، وأقاربك وأصدقائك.  
يمكنك ترتيب تنظيف غرفتك أو مكتبك أو سيارتك، أو أن تتعلم الطهي، أو اقضِ وقتًا في الهواء الطلق أو مارس هواية الزراعة والاعتناء بالنباتات. يمكنك أن تقوم بأعمال خيرية بسيطة، أو تنضم إلى نادٍ أو جمعية تطوعية في نفس اهتمامك الإنساني أو في مجال الهوايات، وتتواصل مع أشخاص يشاركونك اهتماماتك.
المهم أن تشغل نفسك، وهذا يستلزم أن تنخرط في أنشطة ذات معنى وهدف وقيمة تضيف لحياتك وعقلك، بدلاً من مجرد ملء الوقت بأشياء تشتتك كالتجول فيما غير فائدة في مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة تقترب من الإدمان. المسألة ببساطة تتعلق بالانغماس في أنشطة وعادات وسلوكيات إيجابية في التعلم والاهتمام بالنفس والتواصل مع الآخرين، بدلاً من قتل الوقت، ونحن في الحقيقة نقتل أنفسنا. ولا ننسى ما قاله الفاروق عمر رضيَ اللهُ عنهُ: «إنِّي لأكرَهُ أنْ أرَى أحدَكم فارغًا سبَهلَلًا لا في عملِ دُنيا ولا في عملِ آخرةٍ.»

 

صورة

رحاب العلم طريق النجاح

‏في رحاب جامعتنا الابية، تبدا قصص النجاح وتنطلق الأحلام فهنا تُصنع الفرص ويبنى المستقبل، وهنا لحظة فارقة في حياة  كل طالب سواء كان في أولى خطواته الجامعية أو عائداً ليكمل مشواره. فالجامعة ليست محطة لعبور سريع، بل هي فضاء للمعرفة وساحة للتحدي وميدان لبناء الذات واكتشاف القدرات، فهل هناك أفضل من مستقبل العلم والتعلم؟! بالطبع لا، فالمسألة ليست وظيفة مرموقة وراتبا كبيرا بل هي حياة متكاملة تقوم على السعي والابداع واستثمار الفرص، فالأمم لا تنهض الا بالعلم والاخلاق معاً، وان كانت الأخلاق تغرس في النفس من البيئة والمجتمع فان العلم لا يُنال الا بالاجتهاد والمثابرة، ولعل ما قاله امير الشعراء احمد شوقي يضل شاهداً خالداً (العلم يبني بيوتاً لا عماد لها والجهل يهدم بيت العز والكرم). من هنا يقع على عاتق كل طالب مسؤولية مضاعفه فالتعلم ليس ما ينقله الاستاذ داخل قاعة المحاضرة فقط بل رحلة بحث واكتشاف كل معلومة أو ارشاد يتوجه لك من أي طرف في رحاب جامعتنا، فلنجعل من الجامعة محرابا للعلم ومن الطموح وقودا لرحلتنا نحو التميز والابداع. فكلنا من الإدارة الى ابسط العاملين نتكاتف جميعا لتوجيهكم الى الطريق الصحيح الذي يعينكم على مواجهة تحديات الحياة و تجاوز صعوباتها.

‏أبناءنا الطلبة:
‏ نجدد الترحيب بكم  في رحاب جامعتنا التي تفتح امامكم أبوب المعرفة والطموح، قد تشعرون بالتوتر في البدايات وهذا طبيعي، فلا تترددوا في طرح الأسئلة، فأنتم لستم وحدكم، والحياة الجامعية ليست مجرد قاعات دراسة، بل هي مجتمع أسري متكامل جاهز لدعمكم ومساندتكم، وتذكروا أن العلم يبدأ بالفضول والشغف، وان نجاحكم هو ثمرة جهودنا جميعاً، نحن هنا لنكون لكم الكشاف والرادار والبوصلة في رحلتكم، فلا تحرموننا فرصة المشاركة في مسيرتكم المشرقة والجميلة.

‏طلابنا الأعزاء:
‏العلم والتعلم أساس الحياة الجامعية، لكن لا تغفلوا عن أن الأنشطة الرياضية والاجتماعية تصقل شخصياتكم الى جانب معرفتكم الأكاديمية، فالجامعة تزخر بالأنشطة المختلفة، فاستكشفوا مواهبكم وشاركوا فيها، وتعاونوا فيما بينكم لما فيه الصالح العام، فالتعاون يبني في داخلكم حب الآخرين ورغبة في مساعدتهم، وهو جزء من اكتساب الأخلاق، كما قال شوقي (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت...فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا) ورب العزة يقول (وتعاونوا على البر والتقوى)، فتعاونوا وكونوا صداقات جديدة واجعلوا من هذه المرحلة تجربة لا تنسى أبداً، فالحياة فرص وهذه فرصتكم فلا تطوفوها.

‏طلبتنا القدامى:
‏أنتم الآن في موقع المسؤولية، خبرتكم في اروقة الجامعة ودرايتكم في نظامها تعد زاداً ثميناً لإخوانكم المستجدين، فكونوا لهم العون و السند، ومدوا لهم يد الدعم والارشاد، وعرفوهم بمرافق الجامعة من قاعات ومكتبة وأماكن الأنشطة، وشاركوهم تجاربكم التي ستساعدهم في رسم خطواتهم الاولى بثقة وامان فكم من طالب كان في حاجة إلى من يأخذ بيده ليخطو خطواته الأولى بثقة، فدوركم عظيم لبناء مجتمع جامعي متماسك، أساسه التعاون والمساندة، واجعلوا هذه السنة عنواناً للجد والاجتهاد وللتعاون والمحبة، وانطلاقة نحو مستقبل مشرق، يبنيه جيل واعٍ مثقف ومؤمن بقيمة العلم والمعرفة، وفقكم الله جميعاً، وأهلاً وسهلاً بكم في رحاب جامعتنا الأبية.

 

العلوم السياسية في عصر الذكاء الاصطناعي (1 من 5)

تُعنى الجماعة العلمية والبحثية في حقل العلوم السياسية، مثل بقية العلوم الاجتماعية والإنسانية، بالبحث فيما سوف تكون عليه مساراتها المستقبلية خلال السنوات والعقود المقبلة في عصر الذكاء الاصطناعي(AI)، وذلك بإثارة تساؤلات جوهرية مشروعة، من قبيل:
- ماهية التغيرات التي قد تطرأ على الفروع المعرفية الرئيسية الراهنة المكونة للعلوم السياسية (النظرية السياسية، والعلاقات الدولية، والنظم السياسية المقارنة) بسبب الاعتماد المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال البحث والكتابة العلمية.
وقد يتضمن ذلك إعادة النظر في تصنيف هذه الفروع، وإمكانية دمجها أو إعادة هيكلتها، وربما استحداث فروع جدية تناسب الطفرات التي تشهدها مختلف الحقول المعرفية بما فيها العلوم السياسية بمفهومها الشامل متعدد الأبعاد.
- حدود ومديات تأثير الذكاء الاصطناعي على المضامين والمفاهيم الكبرى المستقرة في العلوم السياسية، بما في ذلك النظر في الحاجة إلى إجراء مراجعات نقدية لبعض أو غالبية هذه المفاهيم، والعمل على (صك) وصياغة مصطلحات ومفاهيم أخرى جديدة.
- مدى الحاجة إلى تطوير منهجية البحث في العلوم السياسية المعاصرة؛ بما في ذلك اقترابات دراسة الظواهر السياسية، وتحليلها، واستشراف مستقبلها، فضلاً عن العمل على ابتكار أدوات جديدة للتحليل السياسي.
-  كيفية توسيع نطلق التفاعل بين حقل العلوم السياسية وبقية العلوم الأخرى في إطار (العلوم البينية)، ونوعية هذا التفاعل سواء على مستوى المفاهيم و/أو نظريات ومناهج التحليل. إذ أنه في عصر الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، سيكون من الأهمية بمكان أن تنفتح العلوم السياسية بجميع تفرعاتها، على (علم البيانات)، وأن تعمل على دمجه في مناهجها التعليمية. بل إننا ننادي بأكثر من ذلك، بأن يتم استحداث فرع جديد في العلوم السياسية يتضمن دمجاً مابين (السياسي) و(البياني)، ولنطلق عليه مبدئيا اسم (علم البيانات السياسي).

د.محمد بدري عيد
خبير العلاقات الدولية والأمن القومي
المستشار الأكاديمي لمركز دراسات الخليج والجزيرة العربية جامعة الكويت

 

صورة

نحن معك

عزيزي الطالب: 
في هذه الكلمات لم آت بجديد، فكل ما في هذا الكون مكتوب في القرآن الكريم، لكني أردت أن أذكرك ببعض المعلومات التي قد تغيب عن ذهنك، فأنت في رحلتك الجامعية تقرأ عشرات الكتب والمراجع، وتتنقل بين مئات الصفحات، تبحث عن المعلومة والمعرفة لتبني بها مستقبلك، فهل فكرت يوماً أن بين يديك كتاباً من 365 صفحة بعدد أيام السنة، يحمل لك النور والهداية ويختصر عليك رحلة العمر كلها. 
عزيزي، لن أطلب منك أن تحفظ القرآن (رغم أن ذلك أمر رباني عظيم)، لكني أرجو أن تعطي لنفسك فرصة لتقرأ كل يوم صفحة واحدة فقط، سواء من خلال هاتفك أو في المسجد بعد الصلاة، صفحة واحدة لن تستغرق منك أكثر من دقيقتين، لكنها كفيلة بأن تفتح لك أبوابا من الطمأنينة والفهم لم تكن لتتخيلها. 
عزيزي، دعني أقص عليك قصةً بها قدر من الموعظة: يحكى أن شيخا جاء إلى إحدى القرى الريفية الصغيرة ليعلم أهلها أمور دينهم، ويحفظ أولادهم القرآن ويعتني في المسجد، حينها قرر وجهاء القرية التي لا تتجاوز العشرين منزلاً أن يكرموه فكل يوم جمعة يستضيفه أحد البيوت على الغداء ويأخذ معه زاده لكامل الأسبوع، وأخبروا الشيخ بهذا القرار ففرح ورحب ولسانه حاله يقول لابد أن أكرمهم بعلمي وعطائي كما أكرموني. وفي أحد الأيام استضيف عند بيت من بيوت الوجهاء الذي لم يرزقه الله بأولاد كونه عقيما، ولكن الله أكرمه بزوجة يطلقون عليها نساء ورجال القرية بـ»الزوجة الصالحة»، وقبل أن يخرج الرجل العقيم من بيته ترك مبلغاً من المال عند زوجته، وقال لها احفظي هذا المبلغ ليوم غد فهو مال جارنا وليس لي، فأخذت الزوجة الصالحة المبلغ وانشغلت بتحضير طعام الشيخ وزوجها فوضعت المال على طاولت الطعام وبدأت تحضر الأطباق وغيرها ونسيت المال على الطاولة، أتى زوجها والشيخ ودخلا الصالة وجلس الشيخ وذهب الزوج ليأتي بالطبق الرئيسي للطعام، وبعد أن تناول الشيخ طعامه وأخذ معه أكل الأسبوع ورحل، بحثت الزوجة عن المال فلم تجده، فأخبرت زوجها بالأمر، استغربا الأمر فظنا بأن الشيخ كان محتاجا لهذا المال ليفك كربة لديه ويوم من الأيام سوف يرجع لهم المال، ومرت الشهور ولم يذكر الشيخ شيئا عن المبلغ، وحين جاء دور ذلك البيت مرة أخرى لاستضافة الشيخ قالت الزوجة: «إن اعترف بالمال نُكرمه وإن لم يعترف فلا طعام له عندنا»، فأعدت الطعام ولم تضعه على الطاولة، فأتى زوجها مصطحباً الشيخ معه، ودخلا الصالة وجلسا، فقال الرجل العقيم ألم تلاحظ أمراً غريباً يا شيخ؟ فقال الشيخ الأمر الوحيد أنه لا يوجد طعام على الطاولة، فهل أنتم صائمون هذا اليوم؟ وقررتم إعطائي طعامي لأكله لوحدي في غرفتي في المسجد؟ فأتى صوت الزوجة الصالحة من الخلف، يا شيخ، ألم تأت بشيء لنا عندك؟ استغرب الشيخ وقال ولم يرفع رأسه عن الأرض، وهل لكم عندي شيء؟! فقالت نعم المبلغ الذي كان على الطاولة عندما كنت عندنا المرة السابقة، عندها التفت الشيخ إلى الزوجة الصالحة ونظر لها بنظرة حزن ففاضت عيناه بالبكاء؛ فقال الرجل ويحك يا شيخ تبكي في بيتي! فالتفت الشيخ للرجل وجهش بالبكاء ودموعه تملئ لحيته وهو ينظر إلى التلفاز الصغير وقال: «لقد وجدت المال يومها على الطاولة وخشيت أن يتسخ من الأكل فحملته ووضعته داخل المصحف الذي فوق التلفاز»، فلو أنكم قرأتم القران يوماً واحداً خلال الستة شهور لاكتشفتم أن مالكم ما زال في بيتكم، فوالله لن أدخل بيتكم مرة أخرى ولن أكل من طعامكم، فمن يهجر القرآن لابد أن يهجر، وخرج الشيخ غاضباً وهو يتمتم من لم يقدر عطايا الخالق فلن يقدر عطايا المخلوق.  
عزيزي الطالب:
نحن نهجر القرآن مع أننا في أمس الحاجة إليه، وبين دفتيه الهداية والراحة والطمأنينة، فاجعل من القرآن قوة تعينك على حياتك الجامعية وما بعدها، وضع على نفسك عهداً بأن تقرأ صفحة واحدة بتدبر وتمعن كل يوم، وأنا معك، بل نحن كلنا معك ولنعيش ونشعر بالفرق. ودمتم


أ.د. مناور بيان الراجحي

 

صورة

اليوم بين يديك

الحياة ليست سنوات طويلة ننتظر نهايتها، بل هي أيام قصيرة تتساقط ورقةً ورقة، مثل شجرة تتغير فصولها. كل يوم يمر هو جزء من عمرك، إمّا أن تستثمره ليضيف إليك قوةً ومعرفة، أو تتركه يضيع في زحام الأعذار والفراغ والكسل.
كم مرة قلنا لأنفسنا: «غداً سأبدأ»؟ لكن الغد يأتي ثم يمضي كما مضى الأمس! لا شيء يتغير إلا إذا قررت أن تبدأ اليوم. النجاح لا يسقط فجأة من السماء، بل يُبنى بالخطوات الصغيرة المتكررة: محاضرة تحضرها بتركيز، صفحة تقرؤها بشغف، علاقة طيبة تنسجها مع من حولك، هدف صغير تحققه، فيقربك من هدفك الكبير.
الجامعة ليست مقاعد وصفوفاً فقط، بل هي فرصة لتكتشف ذاتك، وتتعرف على نقاط قوتك، وتصنع قصة نجاحك الخاصة. لا تنظر إلى ما فات، ولا تخش ما هو قادم، بل ركّز على يومك هذا، فهو رأس مالك الحقيقي.
وتذكر أن العظماء لم ينجحوا بين ليلة وضحاها، بل كانوا مثل السلحفاة في السباق، صبروا وثابروا حتى وصلوا. وأنت أيضاً قادر على الوصول، متى ما آمنت بأن اليوم فرصة لا تُعوض.
الحياة لا تمنحنا بطاقة دخول جديدة في كل مرة نُهملها، لكنّها تمنحنا كل صباح فرصة ثمينة، لنُعيد ترتيب أفكارنا ونبدأ من جديد. لا تسمح لموقف بسيط أو كلمة عابرة أن تفسد عليك يومك، فأنت وحدك تملك قرار تحويله إلى يوم مثمر مليء بالرضا.
واليوم الذي تبنيه بجهدك سيصبح غداً ذكريات تفخر بها. فاختر أن يكون يومك شاهداً على طموحك، لا دليلاً على كسلك. تذكّر أن اللحظة التي بين يديك هي كنزك الحقيقي، فاصنع بها ما يجعل غدك أجمل، ولنجعل شعارنا: “سأستمتع بيومي، وأبنيه بالجد والعمل، لأنه غداً سيصبح جزءاً من حكايتي».


د. خالد القحص
@drkhaledalqahs

 

ظلال

امتد ضياء الشمس على الأشياء في المرسم، حتى وقع على كرسيّ خشبي أنيق، أظهرت ظلاله جمالاً خلاباً، رغم لون الظل الرمادي المائل للظلمة إلا أن تفاصيل النقوش المحفورة على الكرسي والتي يرجع تاريخ تصميمها إلى قرون مضت، ازدادت بهاءً بظلالها بين أجزاءٍ من الضوء الممتد من أشعة الشمس المائلة. مَنظرٌ ساحرٌ للظل والنور، لنقيضين مرتبطين ببعضهما، يكمل كل منهما الآخر! كما تكمل فترات الابتلاء مواسم الرخاء ويندمجان في مشهد قال فيه الله جلّ جلاله: ﴿ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾. 
ظِلال، تلك الأجزاء التي تظهر خلف الأجسام المُعتمة حينما يَسطع النُّور. في تأملها، ستُبصر الكثير من العِبر والدروس؛ فعلى جانب النَّفع، تأتي الأشجار بظلالها الحالمة ملاذاً للراحة بعد تركيز الضوء وازدياد حرارته، ويمتد الظل على فترات خلال اليوم الواحد ليُقاس عبره الزمن. ورغم ذلك، يشكّل الظل جزءًا من الجسم لا ملامح فيه، لونه الباهت يفتقد لبريق النور الذي تزهو معه ألوان الحياة وتظهر على حقيقتها. وكما في اليسر يُشرق الإنسان بكل تفاصيله، في العسر يتحول الضياء إلى جوانب الظل، فيظهر ما كان مُختبئاً خلف العتمة.
تلك العتمة التي تُمثل طبيعة الانسان المتناقضة أيضاً في وجود الخير والشر فيه، في قدرته على الاختيار، فإما اختيار العسر والعيش في ظلاله، أو اليُسر والاستمتاع بنوره، وما أجمل أن يفهم الإنسان قانون الحياة الدنيا، الذي تراه أعيُننا في كل يومٌ بتناغم التضاد وتكامُلِهما باستمرار كما هو مع الليل والنهار. إن لكل منا جوانب ظل، تشكلت فيها المخاوف وقبعت فيها الأفكار الباهتة رغم سطوع النور. هذه الحقيقة لطبيعتنا وطبيعة الحياة التي تتطلب منا التوازن بين النقائض، تكشف لنا غاية الابتلاءات التي نواجهها في كل يوم؛ فما الابتلاء إلا نورٌ سطع على العتمة ليُخرج منه ظلالاً توجهنا لرؤية الحكمة من النور الذي شكلها، لرؤية الرحمة والسعي نحو التغيير المستمر للأفضل، للوصول إلى الرسالة التي يحقق الإنسان عبرها غاية الخلافة على الأرض، «كُلٌّ لما خُلق له»؛ أي، كُلٌ على طبيعته وصفاته وظلاله.
تأتي الابتلاءات؛ لنقبل جانبنا الرمادي الذي يتشكل مع كل مرحلة من مراحل حياتنا، لنستمد من جوانب الضعف فيه قوةً تُحفّزنا نحو مراحل أسمى، وسنظل نسير مع الظل مع المخاوف والعراقيل والصراعات حتى نتقبلها ونتصالح معها في كل مرحلة نعيشها؛ لنحوّل هذه الظلال للنفع لنا وللآخرين، كما الأشجار الشامخة في ظلالها الممتدة. تصبح ظلالنا مصادر خبرات ودروس نافعة في مواجه المتاعب والمصاعب وتحقيق الطموحات والمثابرة نحو النجاح، يمتد تأثيرها الإيجابي على الأجيال؛ فنحصد من الظلام غاية نور، ونرى خلال العُسر يُسر، ونعلم أن باطن الأحداث دائماً رحمة تشكلنا، ونحن من يقرر كيف لهذه الظلال أن تكون مصدر قوة وراحة في آن واحد رغم ظلامها؛ تأملها.

أ.أنوار فاهد
مدرس مساعد
قسم الإدارة التربوية - كلية التربية
 

صورة

المجلات المُستَغِلَّة (المفترسة) والمنطقة الرمادية

“فرصة ذهبية للأكاديميين والباحثين”، “نكفل فرصة النشر في مجلة علمية مرموقة تنشر في مجالات العلوم ....”، “تصنيف عالمي: مجلة مصنفة ضمن Scopus Q2وWeb of Science  Q4 ، “جودة عالية: (مجلة) حاصلة على تصنيف  Q3 مع CiteScore 1.2 “ “رسوم تنافسية: تكلفة النشر مناسبة”، “نحن هنا لنوفر لك الدعم العلمي الأكاديمي خلال عملية النشر الدولي بكادر علمي متخصص وفريق نشر ذوي خبرة واحترافية”، “راسلنا لطلب الخدمة أو لمزيد من التفاصيل”، “أنشر أوراقك البحثية في مجلات محكمة موثوقة معتمدة تتبع جامعات رسمية”، “متاح النشر بمجلة سكوبس Q1”، “هل تريد أن تنشر بحثك في أسبوع؟”...هذه مجموعة من الاقتباسات الحقيقية وليست المزيفة وغيرها الكثير استرجعت من الكم الذي يصل عبر البريد الإلكتروني الخاص أو الجامعي من المجلات التي تُعرف نفسها بأنها مجلات “علمية”، والمعروفة بأنها مجلات “مُستَغِلَّة” أو “مفترسة” كما تُسمى. فعلاً هناك عدد كثير من المجلات “المُستَغِلَّة” التي تنشر بهذه الطريقة ومدرجة ضمن قواعد البيانات سكوبس أو حتى JCR. وقد يتعرض الزملاء لكثير من هذا النوع من الرسائل بكل تأكيد. وقد سبق وأن تم الحديث في مقالات سابقة نشرت في آفاق وتم إخراجها في كتاب عن هذا الموضوع عن المجلات “المُستَغِلَّة” والتي أشارت – أي هذه المقالات- بوجود عدد كبير من هذا النوع من المجلات في الفضاء الإلكتروني وموجودة في قاعدة سكوبس وحتى JCR، كما أشار إلى ذلك تقريراً خاصاً نُشر في مجلة الطبيعة Nature  المعروفة، ومجلات وأبحاث أخرى متتعددة. وقد تم الإسهاب في تحديد شكلها وصفاتها، وكيف تخدع هذه المجلات الباحثين. فبمجرد اكتشاف إن المجلة موجودة في قاعدة البيانات سكوبس مثلاً، يلجأ الباحث دون تفكير بمخاطبتها أو الاستجابة لهذه الرسائل. وقد وضع أخصائي المعلومات بيل من جامعة كولورادوا قائمة بهذه المجلات، إلى أن تم التوقف عنها في عام 2017 مع استمرار فريق آخر متخصص بتحديث قائمته وسُميت على اسمه بقائمة بيل Beall’s List. وقد حدد بيل مجموعة من المعايير التي تتصف بها هذه المجلات ودور النشر الحاضنة لها. وعلى الرغم من تحديد هذه الصفات للمجلات المستغلة، ظلت كثير من المجلات تتلاعب وتظهر وتنتشر متجاوزة بطرقها التجارية الذكية وتستقطب الباحثين وتستدرجهم للنشر في وعاء نشر ضعيف، وضعيف جداً، وأول ما تشير إليه في إعلانها بأنها من المجلات المعتمدة في سكوبس أو JCR. فهي تجارة سهلة للكسب المادي، وعملية كسب الباحثين أصبحت من الطرق التي تستغلها هذه المجلات. والجدير بالذكر بأن هذه المجلات تزداد وبشكل كبير جداً، ولا يوجد ما يوقف هذا التدفق الهائل لها، والذي يفوق قدرة القائمين على إدارة قائمة بيل لتحديث القائمة وشمول لجميع المجلات. ولذلك وجب التأكيد هنا بأن جودة وعاء النشر لا يرتبط بوجودها في سكوبس أو في JCR، إنما في طريقة تحكيم البحث وجودته وآليات قبوله التي تعتمدها الشركات العلمية ودور النشر الكبرى على سبيل المثال لا الحصر (Sage, Springler, Wiley, emerald, Rutledge…) تلك المؤسسات العلمية الرصينة التي تخشى على سمعتها العلمية والتسويقية. 
لقد ظهرت منطقة رمادية كبيرة في هذه المجلات، والتي تجمع بين توافقها للشروط مع سكوبس، وJCR، ولكنها في الوقت نفسه لا تعتبر مجلات مدرجة في قائمة بيل المشهورة. وعلى الرغم من ظهور متطوعين آخرين يقومون بتحديث قائمة المجلات “المُستَغِلَّة” شهرياً، إلا أن هذا التحديث لا يلاحق التطور الكمي الكبير، ولا يمكن أن يفصل في كثير من الأحيان في بعض المجلات إلا بعد تجربتها بالمراسلة والتدقيق على هيئة التحرير، وطريقة التحكيم وجديته. ولقد أشارت التقارير الخاصة بعدد المجلات التي تُدرجها قوائم مثل Cabell’s Predatory Reports  بارتفاع كبير جداً في السنوات الأخيرة ليصل إلى نحو 18  ألف مجلة في عام 2024 . وهو الأمر الذي سوف يزيد من دائرة المنطقة الرمادية لهذه المجلات ومن الصعب التعرف عليها. وقد حذرت جامعات مرموقة من هذا النوع من المجلات ووضعتها على صفحاتها الإلكترونية مع المجلات “المُستَغِلَّة” مثل جامعة هارفرد، وجامعة ييل، وجامعة متشغن أن آربر، والأم أي تي، وجامعة أكسفورد، وجامعة كيمبردج وغيرها من الجامعات العريقة والمرموقة التي تحذر أعضاء الهيئة التدريسية من هذه المجلات، وتضع كثير من المجلات ذات  المنطقة الرمادية والتي تتطلب التحقق قبل قبولها. وهو ما حذرت منه أحد الدراسات التي أشارت إلى أن هذا النوع من المجلات أصبحت تحقق أرباحاً مادية عالية بسبب المنطقة الرمادية التي تقع فيها . 
ولا بد من أن نلفت الانتباه إلى أن جامعة الكويت، وبمجلسها الموقر قد انتبه إلى مثل هذا الموضوع، وقد اعتمد في أحد اجتماعاته قائمة بدور النشر الأجنبية المعتمدة، والتي يمكن النشر فيها، ويكون الباحث مطمئنا بذلك، مع حاجة ملحة وملحة جداً لتطوير وتعديل اللوائح بما يتماشى مع هذه التغيرات السريعة التي تحدث في التطور الكمي للمجلات التي تحقق الأرباح الكبيرة في ظل نمو وتزايد ما يسمى باقتصاد المعرفة التي نأمل ألا تلحق الضرر بالمستوى العلمي. كما نرجو أن يتم التدقيق على اختيار هذه نوعية المجلات لما لها من تأثير على تقدم الجامعة وتطورها وارتفاع تصنيفها. فالمنطقة الرمادية للمجلات “المُستَغِلَّة” واسعة، ولا بد من تفاديها، لأنها برأيي لا تعتبر رمادية، إنما تعتبر منطقة سوداء عند التفكير بالنشر بها للترقي الأكاديمي، ومن المهم استبعادها والالتزام التام بدور النشر الرصينة، والمجلات الصادرة من الجامعات المعتمدة.


أ.د.يعقوب يوسف الكندري
قسم الاجتماع 
والخدمة الاجتماعية
 

صورة

الذكاء الاصطناعي يتحدى نماذج التحكيم! (1-2)

لا شك أن الذكاء الاصطناعي قد صار من أكثر المواضيع جاذبية وإثارة للاهتمام والجدل؛ إذ صار له حضورا متزايدا في مختلف المجالات الأكاديمية والعلمية على الرغم من الصعوبات التي اكتنفت تطويره والذي مر بسلسلة من الاختراعات المتنوعة، فإن ما يثير الدهشة والتحدي هو تأثيره الكبير على مجالات مثل البحث العلمي بما يشكله من أداة سريعة كلمح البصر في جمع المعلومات وتصنيفها فضلاً عن صياغتها!
ومما يدل على ذلك في سياق المجلات العلمية المحكمة ما أشار إليه تقرير دار المنظومة السنوي لعام 2023؛ فقد كان البحث عن الذكاء الاصطناعي في قاعدة بياناتهم(٢٥٩١٧)هي أضعاف الكلمات التي جاءت بعدها مثل التحول الرقمي!
وعلى الرغم مما وفره الذكاء الاصطناعي من فوائد في كتابة الدراسات والمقالات وحتى البحوث المحكمة والرسائل الجامعية، إلا أنه فرض العديد من المخاطر، مثل مشكلة الأصالة والانتحال......، حين ينتج نصوصاً تبدو أصلية لكنها تعتمد على مصادر من دون الإشارة إليها، مما قد يؤدي إلى اتهامات بالسرقة الأدبية. بالإضافة إلى تراجع شخصية الباحث وموضوعيته وقدرته على الاستدلال والتحليل والاستنتاج ومناقشة الآراء: والنقد والابتكار والتفكير المستقل لديه نتيجة الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي، إلى جانب ما قد يرد من تضليل في تقديم المعلومات أو فهم السياقات المعقدة!
أدت هذه المخاطر إلى قلق متزايد بين المشرفين والمحكمين على حركة البحث العلمي حول العالم، وصارت المجلات العلمية المحكمة اليوم تواجه تحدياً طارئاً يتمثل في كيفية التعامل مع البحوث التي تصل إليها، وكيف يمكن لها ضمان أن هذه البحوث غير مستندة إلى الذكاء الاصطناعي؟ خاصة في الوقت الحالي الذي يصعب فيه تصور أن إنساناً ما لا يستفيد من الذكاء الاصطناعي بأي شكل من الأشكال!
ولم يقتصر الجدل في أروقة الجامعات على مجال البحوث، بل تعداه إلى مجال التحكيم، فلم يعد تحكيم البحوث كما كان في السابق، مما يستدعي إعادة النظر في نماذج التقييم المستخدمة لضمان أن يتم هذا التحكيم بطريقة احترافية وأن يستوفي البحث المعايير العلمية المطلوبة.
أشرفت خلال الفترة الماضية على الإعداد للمؤتمر العلمي السادس لمجلة الشريعة والدراسات الإسلامية حول «الذكاء الاصطناعي: التحديات والمسؤوليات الشرعية، الضوابط والأحكام» والتي نشرت أبحاثه في إصدار خاص لمجلة الشريعة والدراسات الإسلامية الصادرة عن مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت، وكانت إحدى المسائل المطروحة مع المحكمين هي فحص البحوث بطريقة أكثر تطوراً في ظل تحديات الذكاء الاصطناعي، وكان من بين الآراء التي طرحها بعضهم ضرورة إعادة النظر في النماذج المستخدمة في التحكيم - على الرغم من حداثتها- التي تستخدمها المجلات العلمية المحكمة الصادرة عن مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت.
وكرئيس تحريرسابق لمجلة محكمة منذ أكثر من 6 سنوات، تعاملت خلالها مع مئات البحوث، وعايشت هذه السنة ثورة الذكاء الاصطناعي، فإني أدعو من دون تردد إلى تطوير معايير تحكيم المجلات العلمية المحكمة، ومن بينها استمارة الإقرار والتعهد يجيب عليها ويوقعها الباحث المرسل بحثه، قبل التحكيم، لمعرفة حجم وطريقة استخدامه للذكاء الاصطناعي، وتقدير ذلك واحترامه من دون انتقاص من هذا الاستخدام ما دام قد تم بشفافية وبصورة محددة ومحدودة!
لا شك في أن استخدام الذكاء الاصطناعي صار ملحوظاً، مما قلل الجهد الشخصي من 5% أو 10% وصولاً إلى 90%، وهذه الأخيرة هي التي تمثل معضلة كبيرة بلا شك، وتحديداً كنت قد لفت الانتباه إليه في أثناء مناقشتي مع عشرات المحكمين، بعد أن تبين أن بعض الأبحاث تتشابه في العناوين والمحتوى، مما يثير تساؤلات حول مدى قدرة بعض الباحثين الجدد على كتابة أفكار معقدة بناءً على خبراتهم المحدودة، فضلًا عن طرق متعددة للتعامل مع هذه القضية!
يذكر أن أحد المحكمين قد رفض بحثين لما بينهما من تشابه كبير في الأفكار والعرض اللذين استلا من الذكاء الاصطناعي، وكان يسألني أحياناً عن الخلفية العلمية لبعض الباحثين وخبرتهم في المجال، وهذا تحدٍ آخر، وكأننا نريد أن نلغي سرية إجراءات التحكيم؛ إذ تعمد مجلات مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت على سبيل المثال إلى التحكيم الثلاثي Triple-blind peer review، حيث لا تتعرف هيئة التحرير ولا الفاحص ولا المحكمين على الباحث او سيرته الذاتية.
 

أ.د.عبدالرزاق الشايجي
القائم بأعمال رئيس لجنة التأليف والتعريب والنشر

 

صورة

حكاية لا نعرفها

كم مرة رأينا شخصاً، فتسرعنا في الحكم عليه من كلمة صدرت عنه، أو من موقف عابر بدر منه، أو حتى من طريقة لباسه ومشيته؟ الحقيقة أن لكل إنسان حكاية لا نعرفها، وظروفاً خاصة يخفيها خلف ابتسامة أو صمت أو حتى تصرف يبدو غريباً لنا.
الشخص العاقل (وكلنا عقلاء) لا يكتفي بالظاهر، بل يحاول أن يتأمل بواطن الأمور. قد ترى زميلك منزعجاً فتظنه متكبراً، بينما هو يمر بليلة أرق طويلة. وقد تسمع كلمة حادة من أحدهم فتظنه عدواً، بينما هي مجرد صرخة ألم من ظروف شخصية ونفسية يعاني منها. نحن بشر، نخطئ ونصيب، ونحمل هموماً قد لا يراها أحد.
ليس من العدل أن نختزل حياة كاملة في موقف واحد، ولا من الإنصاف أن نرسم صورة إنسان من مشهد قصير. الحكم السريع يحرمنا من فرصة التعرف على قلوب طيبة وأرواح صادقة. ولو تأملنا قليلاً قبل أن نحكم، لوجدنا أن في داخل كل شخص عالماً واسعاً من التجارب والمواقف التي لم نشهدها، لكنها شكّلته وصاغت طريقته في التعامل مع الحياة.
ولعل أجمل ما يذكّرنا به هذا المعنى هو المثل العالمي الشهير: «لا تحكم على إنسان حتى تمشي ميلاً في حذائه». أي أن نضع أنفسنا مكانه، ونتخيل أنفسنا نعيش ظروفه، ونتحمل ضغوطه، ونواجه تحدياته، قبل أن نصدر أي حكم بحقه.
فلنكن أكثر رحمة ببعضنا، ولنمنح الآخرين مساحة يروون حكاياتهم كما هي، دون أحكام مسبقة. وما أجمل أن نستبدل النقد بالتفهم، واللوم بالتسامح، والظن السيئ بحسن الظن. فالعلاقات الإنسانية تزدهر حين نخفف من الأحكام ونزيد من الإصغاء.
ولنتذكر دائماً: كما لا نحب أن يُحكم علينا من مظهرنا أو زلة لساننا، فكذلك غيرنا. فلنخفف من أحكامنا، ونزيد من تعاطفنا، لعلنا نصنع بيئة أدفأ في الجامعة والحياة معاً، بيئة يسودها التقدير والإنصاف والاحترام المتبادل.

د. خالد القحص
@drkhaledalqahs
 

صورة

التخصص الجامعي

منذ القدم كانت تسود في مجتمعاتنا مقولة مأثورة «أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة»، وهي عبارة تعكس خبرة الأهل وحرصهم على مصلحة أبنائهم، وعلى ذلك كان تدخل الأهل في اختيار تخصص الأبناء في دراستهم الجامعية أمرا شائعاً بل حاسماً في كثير من الاحيان، حيث كان الأهالي ينظرون إلى التخصص كونه وسيلة لتحقيق مكانة اجتماعية ووظيفة مضمونة، وغالباً ما يتطلع الأهل إلى الوظيفة المرموقة، الأمر الذي جعل الطالب في أحيان كثيرة يدرس ما لا يتوافق مع ميوله أو قدراته الذهنية.
ومع تطور الحياة وتسارع وتيرة التكنولوجيا، تغير المشهد بشكل ملحوظ، لم يعد يكفي أن يختار الطالب تخصصا تقليديا أو مشهورا، بل بات عليه أن يفكر بعمق في مدى توافق التخصص مع طموحاته، مع الأخذ بعين الاعتبار الفرص المتاحة في سوق العمل المحلي والعالمي، حيث أصبحنا نعيش في عصر يعتمد على الإبداع والمهارات المتنوعة ولا يقتصر النجاح على التحصيل الأكاديمي والدرجات العلمية. 
كل ذلك جعل الحوار بين الطالب وأهله في اختيار التخصص الجامعي ضرورة وليس خياراً، وعلى الطالب أن يستمع لتجارب أهله فهي خبرة حياتية لا تقدر بثمن، وفي المقابل عليه أن يوضح لهم ميوله وقدراته وما يطمح إليه، هذا التوازن بين خبرة الماضي ورؤية المستقبل يساعد في اتخاذ القرار الأكثر مناسبة وحكمة.
ولا شك أن مسؤولية اتخاذ القرار في وقتنا الحاضر أصبحت تميل لصالح الابن، وتقع على عاتقه بالدرجة الأولى، ما يتطلب منه التروي في الاختيار، والأخذ بعين الاعتبار مجموعة من الأمور يرتكز عليها في اختيار التخصص، وذلك من خلال الإجابة على أسئلة تعد محورية وأساسية، منها: ما مدى انسجام التخصص مع ميول الطالب واهتماماته وقدراته؟ وما هي الفرص المتاحة في سوق العمل في الحاضر والمستقبل؟ وهل بإمكانه تطوير قدراته وإمكانياته بما يتطلبه سوق العمل مستقبلا؟
إن النجاح في العمل لم يعد يتوقف عند الحصول على شهادة جامعية، إنما يحتاج لقدرة العامل على التأقلم والتطوير المستمر وتحويل المعرفة التي تلقاها إلى إنجازات علمية في التطوير وتنمية الذات وعملية في التطبيق، ولا يرتكز على شغف الطالب بالتخصص الذي يختاره.
ليس عليك عزيزي الطالب أن تكون مطيعا طاعة عمياء، كما ليس عليك تحييد رؤية الأهل ونظرتهم لمستقبلك من حساباتك ورؤيتك، وثق بأن الأهل يتطلعون لنجاحك وتألقك في العمل بشكل خاص وفي الحياة بشكل عام، وهذا ما يبرز أهمية الحوار مع الأهل والبحث الجاد والمدروس عن التخصص الذي يحقق التوازن بين ميولك وقدراتك من جهة وفرص العمل المستقبلية من جهة أخرى، وهذه المعادلة تعد مفتاحا أساسيا في رسم طريق مهني ناجح.
أمنياتي الخالصة لجميع أبنائنا الطلبة بالتوفيق والنجاح ليكونوا عمادا وأساسا لبناء مجتمع ينتفع بهم ويرتقي بسواعدهم. ودمتم

أ.د. مناور بيان الراجحي

 

صورة

حُكْمٌ نِهائي

«حُكْم نهائي» كلمتين، ما إن تسمَْعُهُما حتى يتبادر إلى ذهنك قاعات المحاكم وقضايا الناس وأصواتٌ تدور بين شدٍ وجذب وحقٍ وباطل، يُخرسها صوت مطرقةٍ يصدع صداها آذان الناس الشاهدة على الواقعة وأحداثها. تَأخُذُ قرارها بعد دراسةٍ وحسمٍ مضى في حدود المكان والزمان في محاكم الدنيا. وعلى الرغم من ذلك، إلا أننا بطبيعة بشرية عجولة، نغفل عن قضية أعمقَ بكثير من أن نرى صدور الأحكام مقصورٌ على قاعات المحاكم. إذ نعيشُ في كل يوم، بل في كل ثانية دون وعي منّا إلا من رحم الله وهداه، ونحن نُصدر الأحكام علانيةً على مواقف الحياة كافة؛ ترتدُ معها أصواتنا بين شدٍ وجذب وحقٍ وباطل لكن في عالمٍ داخلي غيرَ مرئي، يراه الله وحده جل في علاه.
لا ندرك في كثير من الأحيان أننا نُعامل المواقف والأحداث والناس، مُعاملة القُضاة، وكأنّ لنا حقٌ في إصدار الأحكام وبكُل أريحية، بلا اختصاصٍ ولا ترخيص! نقوم بالأحكام على أفعال الآخرين ونتعدى ذلك إلى نواياهُم تجاه المواقف والأحداث. نُطلق سَراح اللسان ليأخُذ الأحقية المُطلقة في إصدار الأحكام الجازمة النهائية، بكل قسوة لا جزئية فيها، وكأننا نعلم خفايا القدر وأحوال الناس وصراعاتِهم وما يمرُّون به من ظروف الابتلاء وأصناف الأحداث، ننتزعُ معاذ الله، حق المُلك من المليك المُقتدر سبحانه جل جلاله، بغفلةٍ أسقطنا فيها الحق الكامل علينا في إصدار الأحكام التي لا رجعة فيها ولا استئناف، على مواقفِ الحياة اليومية. 
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وتوجيهٌ سامٍ نحو الأخلاق الفاضلة والحياة الكريمة في ظل وعي الاتصال الإيجابي مع أنفسنا والناس وما حولنا من عالم ممتد، يتوارث معه أجيالنا خصالنا في القول والعمل. قال صلى الله عليه وسلم:»وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ.»  ليصمت عن أي أذى، ليصمت الاتصال السلبي مع نفسه والناس، ليصمت عن الأحكام المُطلقة بغفلة عن الغيب. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً). أن تكُفّ الألسُن عن كلام الشر الذي لا فائدة فيه؛ فالكلام يُكتبُ ويُسجّل على الإنسان عدلاً في محكمة السماء، قال الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) وقال سُبحانه: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ).
تأمل واقع الحياة اليومية، في جلساتنا وحواراتنا، وأنصت بقلبٍ واعٍ، كيف أنّنا غافلون في رحاب رحمة الله ولُطفه علينا؛ فكم من كلمة هدمت بيوتاً عامرة، وكم من كلمة قتلت نفوساً حالمة، وكم من كلمة هدرت طاقات واعدة. تأمل كيف للكلمة أن تبني وطناً عامراً في أنفسنا وكيف لها أن تجعله هباءً منثوراً. تأمل محاكم الدُّنيا! رُغم اختصاصها، إلا أنها تُصدر أحكاماً جزئية في مُجملها قابلة للتغيير والتفاوض، وما هو نهائيٌ منها، يكاد يكون معدوماً إلا ما يَتُمُّ مُطابقته مع محكمة السماء التي كتبها الله جلّ جلاله باسمه العادل في كتابه الكريم وشريعته سبحانه، تطبيقاً واقعاً على الأرض بين الناس. تأمل، عظمة الكلمة التي تُكتب أو تُقال، وأبصر عمق تأثيرها في قلب الموازين واعتدالها. لك الآن أن ترى نفسك، أين أنت مع صدى الكلمات والأحكام على الحياة؟
 

صورة

الذكاء الاصطناعي يتحدى نماذج التحكيم! (2-2)

في ظل هذه التحديات المتزايدة، أدعو إلى اعتماد نموذج تحكيم جديد يجمع بين المجهولية والمعرفة. إذ يمكن أن تظل هوية الباحث مجهولة وفق متطلبات التحكيم الثلاثي، في حين يتمتع رئيس التحرير بمعرفة شاملة لقدرات الباحث بحكم اطلاعه على سيرته الذاتية، ويتفاعل رئيس التحرير مع المحكمين؛ فيقوم بالإجابة عن أي استفسار حول قدرة الباحث على معالجة الموضوع المطروح. ومن خلال هذه النقاشات، يمكن أن تُؤخذ قرارات أكثر دقة بشأن قبول الأبحاث أو رفضها من قبل المحكمين، مما يعزز من جودة المحتوى العلمي المنشور ويحقق العدالة في عملية التحكيم. إن هذا الابتكار في آلية التحكيم يمثل خطوة رائدة نحو تحقيق بيئة بحثية أكثر نزاهة وفعالية بما ينسجم مع تحديات الذكاء الاصطناعي. ومن موقعي هذا أستطيع أن أطلق على هذه الآلية اسم: «المعرفة الخفية» Hidden Knowledge.  
ومع ثورة الذكاء الاصطناعي يطلب بعض المحكمين معرفة الخلفية العلمية الدقيقة والعملية للباحث للوقف على مدى قدراته على استخدام الذكاء الاصطناعي، وهذه أيضاً إشكالية تتطلب نقاشاً صريحاً في تطوير نماذج تحكيمنا!  ثلاثية التحكيم.
إن القاعدة التي لا ينبغي أن تغيب عن أذهان الباحثين هي أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يبقى وسيلة مساعدة لتحسين الإنتاجية، لا أن يكون بديلاً عن الباحث في الكتابة والتأليف، وهو ما رأيته بنفسي في بعض البحوث التي حكمتها للنشر في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية الصادرة عن جامعة الكويت؛ إذ ظهر بوضوح تضاؤل أو غياب شخصية الباحث وقدرته على الاستنتاج ومناقشة الآراء، في مقابل المبالغة في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في نقل النصوص وصياغتها ونقلها من دون تدقيق!
لقد دفعت مخاطر الذكاء الاصطناعي العديد من الجامعات البارزة إلى اتخاذ موقف صارم تجاه استخدامه في كتابة الأبحاث الأكاديمية، خاصة عندما يكون الاستخدام غير شفاف ويخل بالأمانة الأكاديمية، فقامت بوضع سياسات واضحة حول ذلك، وعلى سبيل المثال، تعتبر جامعة ستانفورد أن استخدام الذكاء الاصطناعي في إعداد الأبحاث أو الواجبات من دون تصريح انتهاكٌ لقواعد الأمانة الأكاديمية، وتؤكد على أن الأعمال المقدمة يجب أن تعكس قدرات الطالب الشخصية وليس قدرات الذكاء الاصطناعي. وفي جامعة كامبريدج، يُعد استخدام الذكاء الاصطناعي دون توضيح ذلك خرقاً للنزاهة الأكاديمية؛ إذ تشدد الجامعة على أهمية الأصالة في الأعمال المقدمة، وتتخذ جامعة هارفارد أيضاً موقفاً مشابهاً، وتوضح في سياساتها أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي من دون تصريح يعد انتهاكاً لقواعد السلوك الأكاديمي، كما وضعت جامعة أكسفورد قواعد تمنع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لإنتاج الأعمال الأكاديمية من دون موافقة الأساتذة، كما نصت جامعة ملبورن في سياستها للنزاهة الأكاديمية على أن استخدام الذكاء الاصطناعي من دون الكشف عنه يمكن أن يؤدي إلى إجراءات تأديبية! ويلاحظ من هذه السياسات ليس رفضا تاما لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي المتنوعة بقدر ما هو عدم الإفصاح عن هذا الاستخدام، وهو ما دعونا إليه قبل قليل لتطوير أدوات تحكيمنا بالإفصاح عن نسبة الاستخدام وطبيعته.
وتجدر الإشارة هنا إلى سياسة جامعة برنستون ، والتي تنظمها عدة إرشادات تهدف إلى تعزيز التعليم المسؤول والأخلاقي في ظل انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي الحديثة؛ إذ يقوم مركز McGraw بتوضيح سياسات استخدام الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية، بما يشمل استخدام أدوات مثل ChatGPT ، كما ينظم ورشات عمل تساعد في فهم إمكانات هذه الأدوات وحدودها، وتركز سياسة الجامعة على تشجيع الطلبة على تطوير مهاراتهم الأكاديمية، مع حثهم على استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة فقط في جمع المعلومات وتحليلها، وليس في كتابة الأبحاث مباشرةً؛ لضمان التطوير الأكاديمي السليم وتعزيز الأمانة العلمية.
ويبقى أمام المجلات العلمية المحكمة التي تصدر عن جامعات عالمنا العربي والإسلامي تحدٍ كبير في العمل على تطوير نماذج التحكيم لتكون أكثر توافقاً مع معاييرنا الأكاديمية، وقادرة على تقييم التوازن بين الدور البشري والتكنولوجي في إنتاج البحث، والتحقق من الأصالة والنزاهة الأكاديمية، والالتزام بالشفافية في الإفصاح عن حدود استخدام التكنولوجيا، حتى نضمن أن تظل بحوثنا ذات قيمة مضافة في مجال العلم والمعرفة.

أ.د.عبدالرزاق الشايجي
القائم بأعمال رئيس لجنة التأليف والتعريب والنشر

 

نعلم ونتعلم

مع بداية عام دراسي جديد هناك من يخطو خطواته الأولى كمستجد في هذا الصرح الأكاديمي، وهناك من يضيف لبنة جديدة لحياته الجامعية كطالب مستمر، بدايات جديدة ووجوه جديدة، مواد جديدة وأساليب تدريس جديدة، لقد مضى العام الدراسي الفائت بكل ما فيه من تحديات وسيمضى هذا العام الدراسي الجديد كذلك بعد فترة من الزمان، ما يتبقى هو الذكريات والخبرات التي نكتسبها نحن جميعاً على كافة المستويات هيئة تدريسية وطلاب، كأستاذ في هذا الصرح الأكاديمي من واجبي تقديم العلم لطلابي جاهداً في متابعة التطورات في المجال الذي أنتمي إليه، فالعملية التعليمية عملية متشعبة وتتدخل فيها العديد من العوامل، على سبيل المثال لا الحصر تطور العلم، تسارع المعلومات، التقنيات الحديثة في العملية التعليمية وعوامل أخرى عديدة، حيث يعتمد النجاح في هذا المجال على مواكبة الحداثة بكل الأمور، من خلال خبرتي التدريسية في كل فصل دراسي ومن خلال تفاعلي مع طلابي تكونت لدي العديد من الخبرات والمهارات بل وحتى المعلومات نتيجة لهذا التواصل المتبادل بين الأستاذ وطالبه، فأنا من الناس الذين يؤمنون بأن العملية التعليمية عملية متبادلة وذات اتجاهين بين الأستاذ وطالبه فكما يتلقى الطلاب من استاذهم المعلومات والخبرات التي تخص المادة العلمية، فهو يتلقى بالمقابل العديد من الخبرات الشخصية بل المعلومات من طلابه ، وأخص بالذكر الطلاب ذوي الدافع العالي والذين يستهويهم الاطلاع على المزيد من المعلومات التي أقدمها لهم في القاعة الدراسية، هذه النوعية من الطلاب التي أفتخر بوجودهم معي في القاعة الدراسية فأنا شخصياً أعدهم شركاء في العملية التعليمية من خلال مناقشتهم البناءة ، وبحثهم بالمعلومات التي يتم تقديمها لهم، سعيهم الدائم للتعلم، أسئلتهم العديدة، فهم عقول متقدة ومكسب هذا الصرح الأكاديمي، كأستاذ أستفيد من ملاحظات طلابي، أفكارهم، بل وكذلك المعلومات التي يزودونني بها فيما يخص المادة العلمية خاصة وإن كانت موثقة بمرجعية علمية، ودائما كنت وما زلت أوضح لطلابي بأن العديد من المعلومات وبعض التكاليف الخاصة بالمقرر كانت نتيجة لسؤال ما يسأله أحد طلبتي السابقين أو لمعلومة تم تقديمها من أحد الطلبة الباحثين وإضافتها لحصيلتي العلمية التدريسية، فهم النماذج المشرفة التي أفتخر أنني قمت بتدريسها ومن نماذج هؤلاء الطلاب الذين قمت بكل فخر بتدريسهم في الفصل الصيفي الماضي الطلبة “أحمد الورّاقي، عبدالرحمن علواني وعبدالعزيز الماجدي، فتحية لكل طالب يحمل عقلاً نيراً متقداً وشغوف للتعلم والعلم ، ولكل من حارب رغم تقدمه بالعمر في الحصول على مقعد دراسي قي هذا الصرح الأكاديمي في سبيل النهل من العلم، وتحية لكل من حارب الظروف القاسية في سبيل تحقيقه لطموحه العلمي، وفي الختام تحية لكل طالب أضاف لي معلومة وخبرة خاصة تم دمجها وإضافتها للمحتوى التدريسي لأستاذه ولا معيبة بهذا الأمر فالعلم متاح للجميع للطلاب والأساتذة فنحن نعلم ونتعلم. أخص بالذكر هنا الطلاب المتميزين.

أ. لؤي مساعد الزيد
مدرس مساعد (أ) / قسم علم النفس التربوي Loai.almohammed@ku.edu.kw
 

صورة

الطالب… نواة المستقبل وهوية الوطن

الحمد لله الذي رفع العلم وأهله، وجعل طلبه عبادة، ورفع قدر أهله في الدنيا والآخرة، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ خير معلمٍ للبشرية.
أبنائي وبناتي الطلبة،
أقف أمامكم اليوم في مطلع هذا العام الجامعي الجديد لأقول لكم: أنتم لستم مجرد مقاعد مملوءة في قاعات الدرس، ولستم أرقامًا في سجلات الجامعة، أنتم النواة الأولى لمشروع البناء الحضاري، أنتم الركيزة التي ينهض بها الوطن، أنتم روحه ولبّه، وصوت مجتمعه ومستقبله.
منذ أن بزغ فجر العلم، كان الطالب هو الذي يخط صفحات النهضة، ويكتب سطورها بأقلامه، وينقش حروفها بعزيمته. واليوم أنتم تقفون على مفترق طرق: بين ماضٍ مجيد صنعه الآباء، وحاضر مليء بالتحديات، ومستقبل يحتاج إلى رؤى جديدة، وأفكار مبدعة، وهمم متقدة.
يا أبنائي وبناتي،
اعلموا أن هوية الوطن ليست شعارًا يُرفع ولا وثيقة تُحفظ، وإنما هي سلوككم في القاعات، وأخلاقكم مع أساتذتكم وزملائكم، وتمسككم بالقيم قبل المعارف. أنتم رأس مال الأمة الحقيقي، الأبنية قد تنهار، والثروات قد تنفد، لكن العقول التي تبنيها الجامعة لا تنفد، والأفكار التي تحملونها لا تزول.
كونوا على يقين أنكم سفراء الكويت في المستقبل، وحُرّاس هويتها. وليكن شعاركم هذا العام: علم نافع، خُلق رفيع، وانتماء أصيل. واعلموا أن طلب العلم عبادة، من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له به طريقًا إلى الجنة.
لقد أثبت التاريخ أن الطالب كان دائمًا في طليعة التغيير، وحارس الهوية، ووقود النهضة. من بينكم يخرج العلماء والمفكرون وقادة الإصلاح ورواد التنمية. فاجعلوا الجامعة اليوم معملًا لصناعة الإنسان، وميدانًا لبناء الشخصية، وجسرًا يربط بين العلم والقيم.
يا طلبة جامعة الكويت،
إن نجاحكم الشخصي لبنة في جدار الوطن، وتفوقكم العلمي رسالة للأمة كلها. إن هوية الطالب لا تنفصل عن هوية الجامعة، وكلاهما لا ينفصل عن هوية الوطن. فإذا رأينا طالبًا مجتهدًا خلوقًا مبدعًا متعاونًا، قرأنا في وجهه صورة زاهية عن وطنه.
فلنفتتح عامنا بجد واجتهاد، وليكن كل يوم في القاعة درسًا في العلم، ودرسًا في الأخلاق، ودرسًا في الهوية.
طَلَبْنَا المَعَارِفَ حَتّى غَدَوْنَ
نُحَيِّي الهُوِيَّةَ بَيْنَ الزَّمَنْ
طَلَبْنَا العُلُومَ فَنِلْنَا العُلَا
وَبِالعِلْمِ نَرْقَى لِمَجْدِ الوَطَنْ
فَيَا طَالِبَ العِلْمِ جِدْ وَاصْطَبِرْ
تُجَدِّدْ فَخْرًا لَنَا فِي المِحَنْ
فَبِالعَزْمِ نَبْنِي صَرْحَ الكُوَيْتِ
وَنَحْمِي الهُوِيَّةَ طُولَ الزَّمَنْ
خلاصة الهُوية :
الطالب هو نواة المستقبل، وحارس الهوية، ورأس مال الوطن. فإذا أخلص في طلب العلم، وتمسك بالقيم، كان شريكًا أصيلًا في بناء الكويت ونهضتها وعزها ورفعتها.

د.عبدالحميد الشايجي
المشرف العلمي لفريق 
قيم الطلابي التطوعي
عمادة شئون الطلبة جامعة الكويت
 

الاستثمار بالشباب

مع إشراقة العام الجامعي الجديد تتجدد في قلوبنا مشاعر التفاؤل والأمل ونستحضر جميعًا رسالتنا التي تقوم على العلم والمعرفة والإبداع .
إن الجامعة ليست مجرد مقاعد دراسية وقاعات محاضرات بل هي فضاء رحب تتلاقى فيه العقول وتُصاغ فيه الطموحات لتتحول إلى إنجازات ملموسة تخدم وطننا الحبيب.

أبنائي الطلبة 
إن ما نعيشه اليوم من حراك علمي ومعرفي داخل الحرم الجامعي يعكس إصرارنا جميعًا على المضي قدمًا في الاستثمار بالشباب و هو الأجدر والأبقى.
إننا في كلية الهندسة والبترول نؤمن أن كل بداية جديدة هي فرصة لإعادة صياغة الرؤية وتحديد الأهداف.
أجدّد اعتزازي بالدور الكبير الذي يقوم به القطاع الإداري في خدمة منظومتنا الجامعية لتوفير البيئة الملائمة للطلبة ليعيشوا تجربة جامعية متكاملة. 
أبنائي الطلبة أنتم محور عملنا وغايتنا الأولى أن نوفر لكم بيئة مريحة وآمنة تدعم مسيرتكم نحو التميز نؤمن أن تفاصيل بسيطة من حسن التنظيم وتسهيل الإجراءات تصنع فارقًا كبيرًا في حياتكم الجامعية.
أما زملائي في القطاع الإداري فأنتم السند الحقيقي والذراع التي تبني وتساند وتضمن استمرارية العمل بروح الفريق الواحد إن جهودكم اليومية هي الركيزة التي يقوم عليها نجاح الادارات و الكليات وبدونكم لا يكتمل هذا البناء.
نحن اليوم أمام عام جديد يحمل فرصًا أكبر للتطوير ومسؤولية أعظم لنرتقي بخدماتنا إلى مستويات أفضل رؤيتنا واضحة إدارة حديثة كفاءة أعلى وطلبة أكثر رضا وراحة.
فلنجعل من هذا العام نقطة انطلاقة جديدة يعكس الصورة الحقيقية لجامعة الكويت.

حمد حامد بوقماز
المدير الإداري في كلية الهندسة

 

صورة

الاحترام قيمة إنسانية وركيزة أكاديمية

يعد الاحترام من أسمى القيم الإنسانية التي تقوم على تقدير الآخر، كونها تترك أثرا جميلا في النفوس، ولا يمكن بأي شكل اعتبار مثل هذه القيمة مجرد سلوك اجتماعي، ذلك أنها تشكل أساس النجاح في التعامل مع الآخرين والترابط معهم، ويمثل ركيزة للتواصل والتفاعل البناء في مختلف مجالات الحياة، ولأن الجامعة تعد مجتمعا مميزا وبقدر عال من المعرفة والثقافة، وباعتبارها منبرا للعلم وللفكر وتشكيل الشخصية، سوف يكون أبناؤنا الطلبة هم الفئة المستهدفة دون غيرهم في هذا المقال، علماً بأن المقال يحاكيني ويحاكي جميع الأجيال.
أعزائي الطلاب، إن الانسان في سنوات شبابه الأولى (ولا سيما في المرحلة الجامعية) يظن أن التجارب وحدها قد تكفيه في بناء شخصيته الإيجابية، لكنه سرعان ما يدرك بأن الخبرة التي يتمتع بها كبار السن سواء كانوا من الأهل والجيران أو أقارب وأستاذة هي كنز لا يقدر بثمن، فهؤلاء لم يصلوا إلى ما هم عليه إلا بجهد ومعرفة وتجارب عديدة، ولا يمكن أن نتجاهل ما يتمتعون به من حكمة ومعرفة، كما لا يمكن أن نغفل عن أهمية تلك الفئة ومكانتها ونعتبراحترامها مجرد واجب اجتماعي وشكلي.
إن الاحترام المتبادل بين الأفراد يفتح أبواب المحبة والمودة بين الطرفين، كما يذيب الفوارق العمرية والاجتماعية، ويشكل أساسا متينا لمجتمع قوي ومتماسك، فالطالب حين يحترم معلمه والابن حين يقدر والديه وجاره، يقوم ببناء جسر من الثقة والمحبة المتبادلة ويضمن استمرار العلاقات الإنسانية في أجمل صورها.
ولا يقصر الأمر على احترام الكبار، إنما هو حق بين جميع أفراد المجتمع، فإذا كان احترام الكبير واجب فإن احترام الصغير دليل على التواضع والفهم الناضج للحياة، ومن هنا تأتي أهمية غرس قيمة الاحترام في نفوس الصغار وترسيخها لدى جميع أفراد المجتمع. ونحن في الكويت نتطلع أن نكون مثالا يحتذى ليس لدى الدول العربية والإقليمية فحسب، بل يتجاوز طموحنا لنصبح مثالا بين في دول العالم أجمع. فليكن الاحترام الركيزة التي نتعامل من خلالها مع الآخرين، ولنحترم الجميع، نصغي قبل أن نتكلم نتواضع مهما بلغنا من علم ومعرفة وغيره.
نعم، لنجعل الاحترام أساسا نرتكزعليه في بناء دولتنا الحبيبة، وبدءا من جامعة الكويت الأبية وصرحها الشامخ، فعندما يسود الاحترام في مجتمع الجامعة يصبح الطريق ممهدا لتشكيل بيئة تعليمية صحية تغرس في نفوس الطلبة روح التعاون والإبداع، فالاحترام يبدأ من إدراكنا العميق بأن لكل إنسان مكانة وقيمة بغض النظر عن عمره أو خلفيته أو موقعه الاجتماعي، ففي الجامعة يظهر الاحترام في تعامل الطالب مع أستاذه إذ يقدر علمه وخبرته، ويستفيد من حصيلة سنوات طويلة من الدراسة والممارسة الأكاديمية، كما يظهر في احترام الطالب لزملائه والتعاون معهم وتقبل آرائهم حتى وإن اختلفوا معه بالراي أو وجهات النظر، لأن الاختلاف لا يلغي الود، بل يثري النقاش ويغني التجربة. 
عزيزي، لتكن قيمتك بقدر ما تمنح من احترام، ولتكن حياتك الأكاديمية والعملية قائمة على تقدير الآخرين والاستفادة من خبراتهم، فذلك هو السبيل نحو النجاح الفردي وبناء مجتمع تسوده المودة والتكافل والازدهار. ودمتم

أ.د. مناور بيان الراجحي
 

صورة

الأستاذ الجامعي… قائد الرسالة وشريك النهضة

إذا كان الطالبُ نواةَ المستقبل وهُويةَ الوطن، فإن الأستاذ الجامعي هو القائدُ الذي يرعى هذه النواة، ويهندسُ مسارها، ويغرسُ في أعماقها القيم والمعارف. فالأستاذ ليس مجرد ناقلٍ للمعلومات، بل هو حاملُ رسالة، وبانٍ للعقول، ومربٍّ للأجيال. ومن دون الأستاذ الجامعي المخلص، لا تنهض جامعة، ولا تزدهر حضارة.
الأستاذ الجامعي مسؤوليةٌ جسيمة، تتجاوز حدود القاعة، وتمتد إلى روح الطالب وسلوكه وهُويته. فهو القدوة التي ينظر إليها الطلبة، وهو المثل الذي يقتبسون منه قيم الجدّ، والإخلاص، والانتماء. وإذا كان العلم نورًا، فإن الأستاذ هو السراج الذي يُضيء العقول، ويهدي الأرواح، ويرسم الطريق للمستقبل.
علميًا، يُعد الأستاذ الجامعي العمود الفقري للمسيرة الأكاديمية. فهو الذي يُقدّم المعرفة العميقة، ويقود البحث العلمي، ويُسهم في بناء المناهج وتطويرها. وهو الذي يُعيد وصل الجامعة بالنهضة العالمية من خلال مؤتمراته ومشاركاته، ومن خلال طلابه الذين يحملون فكره ويُترجمون علمه في مجالات الحياة. ومتى غاب الأستاذ عن البحث والإبداع، تعطلت الجامعة، وتراجع الوطن.
وقيميًا، يحمل الأستاذ أمانةً لا تقل عن أمانة العلم. فهو الذي يُصيغ الأخلاق، ويُربي الضمير، ويغرس الانتماء، ويُجسد معنى القدوة الحسنة. لقد كان السلف الصالح يقولون: إن العلم بلا خُلقٍ وبالٌ على صاحبه وعلى أمته. وهنا يبرز دور الأستاذ في الموازنة بين العلم والقيم، بين المعرفة والأمانة، بين التخصص والهوية.
مكانة الأستاذ الجامعي لا تُقاس بالدرجات الأكاديمية وحدها، بل بما يتركه من أثرٍ خالد في عقول طلابه ونفوسهم. فكم من أستاذٍ لا يُذكر اسمه في الأبحاث، لكن طلابه يحملون رسالته جيلًا بعد جيل، ويُترجمون فكره إلى واقعٍ حيّ. إن أعظم نجاح للأستاذ أن يرى أبناءه الطلبة قادةً في مواقعهم، نافعين لأوطانهم، رافعين لواء العلم والهوية معًا.
جامعة الكويت، وهي تحتفل ببدء عامٍ جديد، تُدرك أن نهضتها تبدأ من أساتذتها. فكل محاضرةٍ هي بذرة، وكل كلمةٍ هي غرس، وكل قدوةٍ هي بناء. ومن هنا، فإن الأستاذ الجامعي ليس موظفًا يؤدي عملًا، بل هو قائدُ رسالة، وشريكٌ أصيل في صناعة نهضة الوطن.

مُعَلَّمُنا في طُرُوقِ العُلُومْ   
بِكَ العِلمُ يَحيا و يَسمُو الكِيَانْ
زَرَعْتَ الهُدى في قُلُوبِ الشَّبابِ 
فَصَاروا بِدِينٍ يُعِزُّ الجَنَانْ
تُرَبِّي العُقولَ وتَحْمِي الهُوِيَّهْ 
وتَصنَعُ فِي الأُمَّةِ المُستَقَانْ
فأَنتَ القُدُوَّةُ في نَهْجِ صِدْقٍ 
بِهِ يَستقيمُ حَقِيقُ المِيزَانْ
بِكَ الجِيلُ يَرقى و يَسمُو فَخارًا 
و يَبنِي الحَيَاةَ و يُعلي الأَوْطَانْ
تُضِيءُ الدُّرُوبَ بِنُورِ المَعَارِفْ 
فَيَزهُو العَطَاءُ و يَعلُو الشَّانْ
إِذا ذُكِرَ المَجدُ كُنتَ الدَّليلَ 
و مِنكَ التَّمَامُ وَ مِنكَ البَيَانْ
فَسِرْ قائِدًا فِي مَسِيرِ العُلُومْ 
فَبِالعِلْمِ تُرفَعُ عِزَّةُ الإِنْسَانْ

خلاصة الهُوية :
الأستاذ الجامعي قائد رسالةٍ علمية وقيمية، 
وهو شريك أصيل في صناعة العقول وبناء الهوية. 
وبقدر إخلاصه وعطائه، تزدهر الجامعة، وتنهض الأمة.
د.عبدالحميد الشايجي
المشرف العلمي لفريق 
قيم الطلابي التطوعي
عمادة شئون الطلبة جامعة الكويت


 

التعلم النشط في مواجهة التعلم السلبي

أصبح التعلم النشط (Active learning) من أبرز الأساليب التي تركز عليها التربية الحديثة، لأنه يمنح الطالب دورًا أساسيًا في بناء المعرفة. يقوم هذا النهج على المشاركة في الأنشطة، الحوار، والتجارب العملية، بحيث يصبح الطالب شريكًا حقيقيًا في عملية التعلم. في المقابل، يظل التعلم السلبي (Passive learning) قائمًا على التلقين والحفظ، حيث يكتفي الطالب بدور المستمع، وهو ما يجعل أثر التعلم مؤقتًا وضعيف الارتباط بواقع الحياة.
من خلال خبرتي في التدريس على مدى خمس سنوات، منها عامان في جامعة الكويت، لاحظت أن هذا الفرق يظهر بوضوح في تعليم اللغة الإنجليزية. يواجه الطلاب تحديات متكررة مثل ضعف المفردات (Vocabulary knowledge)، التردد في التحدث أمام الآخرين، وصعوبة ربط ما يتعلمونه داخل القاعة بمواقف حياتية واقعية. هذه الصعوبات تجعل بعضهم يشعر بأن تعلم اللغة مهمة شاقة.
لقد ساعدني التعلم النشط في مواجهة هذه العقبات بطرق عملية. فعلى سبيل المثال، ساعد التعلم التعاوني cooperative) (learning من خلال الأنشطة الجماعية على تخفيف رهبة التحدث، كما أن التعلم القائم على المشروعات Project-Based) (learning، مثل إعداد عروض قصيرة أو كتابة تقارير مرتبطة ببيئة الطالب، عزز قدرتهم على استخدام اللغة في سياقات طبيعية. أما التعلم القائم على حل المشكلات (Problem-Based Learning) فقد شجعهم على التفكير مباشرة باللغة الإنجليزية، وهو ما ساعد في رفع مستوى الطلاقة ((Fluency تدريجيًا.
كما أن التكنولوجيا الحديثة ((Modern Technology والذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence)) وفّرا أدوات مهمة لدعم هذا الاتجاه. فقد ساعدت التطبيقات الذكية (Smart Applications) والمنصات التفاعلية (Interactive Platforms) في تعزيز المفردات من خلال التكرار واللعب، بينما أتاحت أدوات الذكاء الاصطناعي تدريبات شخصية في النطق والكتابة، مما زاد من ثقة الطلاب بأنفسهم. على سبيل المثال، بعض الطلبة تحسنوا في مهارة النطق عبر استخدام برامج المحادثة الذكية (AI Chat Applications) التي تعطي تغذية راجعة فورية. (Immediate Feedback) 
ومع ذلك، لا يمكن إلغاء دور الشرح المباشر الذي يقدمه الأستاذ، خاصة عند عرض المفاهيم الجديدة أو تنظيم الأفكار. لكن القيمة الحقيقية تظهر عند دمج هذا الشرح مع أنشطة عملية وتفاعلية، بحيث يصبح الطالب طرفًا فاعلًا في التعلم لا مجرد متلقٍ.
في رأيي، الطالب النشط لا ينجح فقط في اجتياز الامتحان، بل يكتسب مهارات حياتية وفكرية تؤهله للتواصل بثقة أكبر. وهذا هو الهدف الذي ينبغي أن تسعى إليه كليات التربية ومؤسسات التعليم في العالم العربي، وهو إعداد جيل قادر على المشاركة، التفكير، والإبداع.
 

فهد أمين
عضو هيئة تدريس، أستاذ اللغة الإنجليزية في كلية التربية

 

مهارات القرن 21 والتفكير الناقد

تسعى الإدارات التربوية والمؤسسات التعلمية دائماً للحاق بكل ما هو جديد في الميدان التربوي والتعليمي، وبكل ما يساعد في إعداد المتعلمين للانخراط بكفاءة ليس في مجتمع المعرفة فحسب وإنما في المجتمع العام أيضاً حيث التحديات الكبيرة والمنافسة الشديدة في سوق العمل والحياة المهنية نظراً للوتيرة السريعة في تطور التكنولوجيا ونظراً للحاجات الملحة التي فرضتها الحياة الرقمية الذكية.
وفي هذا السياق أكد تقرير اللجنة الدولية المعنية بالتربية للقرن 21 إن التعليم مدى الحياة هو مفتاح التعليم في القرن الحالي كما حدد أربعة محاور رئيسية للتعلم هي التعلم للمعرفة، التعلم للعمل، التعلم للعيش مع الآخرين و”التعلم لنكون” (إثبات الذات). 
وعليه فقد تم اقتراح مهارات القرن 21 في التعليم – كمصطلح حديث نسبياً – ليكون هو الركيزة الأساسية في صياغة الأهداف التربوية وتصميم المناهج العلمية، وكما سبق أن أشرنا في مقالة العدد السابق فإنه تم تصنيف تلك المهارات في ثلاث فئات رئيسية تندرج تحتها مهارات فرعية كما يلي:
1 - مهارات التعلم والابتكار(مهارات التفكير الناقد وحل المشكلات- مهارات التواصل والتعاون- مهارات الإبداع والابتكار) 2 - مهارات المعلومات والمهارات التكنولوجية والإعلامية (مهارة ثقافة وسائل الإعلام-مهارة الثقافة المعلوماتية) 3 - المهارات الحياتية والمهنية والمحتوى المعرفي (مهارة المرونة و التكيف- مهارة القيادة والمسئولية – مهارة المُبادرة).
إن التحول الرقمي والاقتصاديات المتغيرة أوجدت صراعاً ثقافياً في الإنسان - المُعلمين و المتعلمين – أثر على نظرة الإنسان لذاته ونظرته لمن حوله أثر على مفهومه للحياة المتوازنة اثر على سلوكه في التعامل مع ما يحيط به كما تأثرت الهوية الإنسانية الاجتماعية وأصبح المتعلم مُطالبا بأن يعرف كيف يمارس المواطنة السليمة في مجتمع المعرفة وفي المجتمع الرقمي، هذا وقد  فُرضت التفاعلات الاجتماعية الرقمية على النسيج الاجتماعي وبدأ الذكاء الاصطناعي يتواجد وبقوة بمميزاته وعيوبه في مختلف جوانب الحياة، الأمر الذي يُحتم الجدية في مسك زمام السلوكيات والممارسات المرتبطة بالقيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية.
«القدرة على مسك الزمام» بل المهارة في مسك الزمام هي الكلمة المحورية في أهمية تعلم الطلاب والمتعلمين لمهارات القرن الـ21 كما يمكن القول هي الجانب النفسي لتلك المهارات والمُتمثل في التفكير الناقد، فالسيطرة على أي أمر- التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كأمثله - لتطويعه توجب فهمه بكليته والإحاطة بكل إيجابياته وسلبياته.
وبكلمات أخرى فإن المتعلم والطالب وهو في وسط هذا الكم والتنوع في المعلومات والمعرفة هو بحاجة ماسة أن يتعلم كيف يُميز الصحيح والمنطقي عما سواه ويتعلم كيف يتساءل وينتقد ويبحث ليصل إلى المعلومة الصحيحة والتي تتوافق معه سواء على المستوى النفسي والشخصي أو المستوى التعلمي والأكاديمي. إن كان المتعلم والطالب يتلقى المعلومات بسهولة عن طريق الذكاء الاصطناعي مثلاً إلا عن دوره هام جداً في التحقق منها وتمحيصها أي أن يُفكر فيها وينتقدها ليقوم بحل المشكلات التي يتعرض لها بموضوعية تعزز الذات لديه وتكسبه ثقة من حوله مما يؤهله للنجاح في محيطه.
تؤكد الأدبيات التربوية على أن مهارة التفكير الناقد مهارة أساسية من مهارات القرن21 وهذه المهارة تتصف بمجموعة من الصفات نوضحها بما يلي:
الوضوح: لابد من وضوح المعلومة أو الخبر المأخوذ من وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي ليتم فهمها بالشكل الصحيح فيُساهم ذلك في تنمية مهارة ثقافة وسائل الإعلام. وممكن للمعلم أن يدرب طلبته على ذلك بأن يسألهم ماذا تقصد بذلك؟ أوهل يمكنك أن توضح أكثر؟
الصحة: هل المعلومة صحيحة وموثقة، فإن كانت المعلومة واضحة هل هي صحيحة وهل الجهة الإعلامية تتصف بالموضوعية والدقة للاعتماد على معلوماتها. ويمكن للمعلم أن يدرب طلابه على تحري الصحة بطرح أسئلة مثل، من أين جئت بهذه المعلومة أو هل ذلك صحيح بالفعل؟ هل أنت مُتأكد من هذه المعلومة؟
الدقة: بمعنى إعطاء الموضوع حقة من المعالجة والتعبير عنه ووصفه بكل المميزات والعيوب إن وجدت كالتحقق من مدى وكم المعلومة التي حصلت عليها من أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي وكمثال يسأل المعلم هل يمكنك أن تكون أكثر تحديداً أو هل يمكن أن تعطي تفاصيل أكثر؟
الربط: أي أن تكون الجملة أو السؤال وثيق الصلة بالموضوع أو المشكلة المطروحة، وكيف ممكن أن يربط المتعلم مميزاته مع أهداف الجماعة للتعاون معهم بما يفيدهم وقد يطرح المعلم أسئلة لتحفيزهم على استخدام الربط مثل ما هي علاقة ما ذكرت في موضوعنا، أو هل تتضمن هذه الأفكار ما يؤيد الموقف؟
الاتساع: ويعني أخذ جميع الجوانب بالاعتبار، والبحث عن كل ما يفيد في مهارة حل المشكلة، وقد تكون أسئلة المعلم لطلابه هل هناك حاجة لأخذ وجهة نظر أخرى؟
المنطق: وهو من الصفات المهمة في التفكير الناقد بحيث يكون التفكير منطقياً منظم ومتسلسل مبني على مقدمات ومؤشرات وله نتائج متوقعه مما يساعد في معرفة ما إذا كانت هذه الفكرة الإبداعية ستفيد في تكوين منتج حديث، فيسأل المعلم هل ما تعرفه عن الموضع سيؤدي بالضرورة إلى النتيجة التي نحتاجها؟
في الحقيقة إن التفكير الناقد يجعل المتعلم صادقا مع ذاته ومع ما حوله ذا شخصية فاعلة مستقلة قادرة على التعلم المستمر وهذا قد يكون سبب إدراجه كجانب نفسي في مهارات القرن 21 وهي المهارات التي ستؤثر إيجابياً في أسلوب حياة المتعلم إذا تم توظيفها بالمناهج التعلمية بالشكل الصحيح.

 

أ.مها خماس
اختصاصية نفسية – كلية التربية

 

صورة

ركّز على ما تملك

في حياتنا ثلاثة مجالات لا رابع لها: ما يقع تحت تحكمنا الكامل، وما يقع تحت تأثيرنا الجزئي، وما هو خارج عن سيطرتنا تماماً. الخطأ أن نُتعب أنفسنا بالانشغال بما لا نملك تغييره، بينما نهمل ما نستطيع تغييره بالفعل.
الطقس مثلاً لا نتحكم به، وكذلك الازدحام المروري أو تصرفات بعض الناس من حولنا. لكننا نملك أن نستيقظ أبكر، ونخرج من البيت في وقت أهدأ، فنخفف على أنفسنا الضغط. لا فائدة من الشكوى من حرارة الشمس أو طول الطابور، بينما نستطيع أن نُغيّر ردود أفعالنا تجاهها.
المفتاح هو أن تلتفت إلى ما يقع تحت تحكمك: أفكارك، مشاعرك، اختياراتك، وسلوكك اليومي. أنت من يقرر أن يحضر المحاضرة مبكراً، أن يذاكر بجد، أن يحافظ على هدوئه، وأن يخطط لجدوله. أما الظروف الخارجية فلن تستأذن أحداً قبل أن تتغير، ولن تمنحك الفرصة كي تتهيأ لها ما لم تتهيأ بنفسك.
تذكّر أن معظم طاقتك تُهدر حين تقاوم ما لا يمكنك تغييره. بينما حين تضع جهدك فيما بين يديك، ستكتشف أنك أقوى بكثير مما كنت تظن. ركّز على عادة إيجابية صغيرة تبنيها كل يوم، فهي التي ستصنع الفارق على المدى الطويل. ابدأ بخطوة يسيرة، كتنظيم وقتك أو كتابة أهدافك، وستندهش كيف يمكن لقرار صغير أن يغيّر مسار يومك بالكامل.
فلا تضيّع طاقتك في محاربة ما لا تملك، بل استثمرها فيما تملك. وحينها ستجد نفسك أكثر راحة، وأقل توتراً، وأقرب إلى أهدافك. فالنجاح ليس في السيطرة على كل شيء، بل في السيطرة على نفسك أولاً. ومن ينجح في ضبط نفسه، ينجح في أن يفتح أمامها أبواباً كانت تبدو مغلقة.

 

د. خالد القحص
@drkhaledalqahs

 

صورة

رقص حروف الهجاء على التانغو…

في تجربةٍ غير مسبوقة في تعليم أصول لفظ الحروف المطولة الموجودة بشكل لافت في الفرنسية، يتعانق لحن التانغو مع إيقاع الكلمات لتخرج في أجمل لوحة من مقرر الصوتيات والذي يدرس في قسم اللغة الفرنسية بكلية الاداب.
الحروف المطولة هي كل الحروف المتحركة التي تسمح لبعض الحروف الساكنة بالتأثير عليها في نهاية الكلمات.
فلا بد للسواكن أن تقبل هذا التحدي وترضخ بذلك التأثير الذي أكسبها جمالاً غير عادي.فلم تعد الراء تنطق كالراء التي تعودت الأذن على سماعها ولا السين كالسين ولا الزين كالزين. تلك الحروف المطولة باختصار أكسبتها تردد صوتي رنان وهو الوجه الآخر للحرف. وعندما كان لزاماً علينا أن نعقد تلك الصفقة « المليونية» بين الحروف ورائعة كارلوس جاردان  وهي:
Una cabesa 
ظهر المشهد بسحر غير عادي جعل للكلمة أثرا بل وللمنظومة الشعرية المتواضعة التي قمت بتأليفها كل الأثر لتكون في أجمل حالاتها .
إن سيطرة الحروف في الكلمة على بعضها البعض لا تأتي عبثاً فقوامتها تأتي من مكانها في الكلمة: أول الكلمة، أوسطها او آخرها.
وماذا عن التانغو؟ 
هي تلك القافية الملحنة في نهاية كل شطر من المقطوعة وإطالتها بالكمان والتي من الأجدر أن تتعانق مع الحروف المطولة:
لوحة فنية مليونية!  أتقنها طلبتنا في قسم الفرنسية واستشعر بتأثيرها المتعلمون في دورة الحرس الوطني في تجربتهم الأولى.
شكراً للتانغو الذي قبل التحدي ليمنح الحروف صبغة موسيقية جعلت من قاعة الدراسة قاعة لا حدود لها.

د. خلود الصالح
كلية الآداب
قسم اللغة الفرنسية وثقافاتها
 

صورة

الأستاذ الجامعي قدوة وعطاء لا يعرف الحدود

ان المعلم يعد حجر الزاوية في مسيرة التعليم وركيزة اساسية في بناء الوعي العلمي والثقافي في المجتمع، وبهذا اليوم العالمي «يوم المعلم» تتجدد مشاعر التقدير والاحترام لكل من حمل رسالة العلم وفي مقدمتهم الأستاذ الجامعي الذي يعد قدوة في عطائه ونبراسا يهدي طلابه نحو المعرفة والرقي والأدب والأخلاق والاحترام...الخ، فاحترام المعلم وبالأخص الاستاذ الجامعي ليس مجرد واجب أكاديمي بل قد يكون فرضا لأنه «رسول علم وتنوير» يسهم بعلمه وسلوكه في صناعة الاجيال وصياغة الفكر وامتداد لاحترام رسالة التعليم التي تبني الإنسان وترتقي بالأمم.
ان من اسمى ادوار الاستاذ الجامعي ان يكون قدوة حسنة لطلابه ليس بعلمه فقط بل بسلوكه العام والخاص أيضاً، فالقيم لا تُلقن بقدر ما تُرى وتمارس حين يلتزم الاستاذ بوقته ويتعامل بأخلاق رفيعة ويحترم الراي الآخر، فان طلابه يتعلمون منه معنى الانضباط والاحترام والمسؤولية، ولعل التأثير الخفي لسلوكه اليومي يفوق ما يقدمه من محاضرات لان القدوة الصامتة تحدث في النفس اثرا اعمق من الكلمات المنطوقة. 
إن العطاء بكافة اشكاله النبيلة هو جوهر رسالة الاستاذ الجامعي فهو يعطي من وقته وجهده وفكره دون انتظار مقابل، مدفوعا بإيمانه بان العلم رسالة لا وظيفة فيدرس بشغف ويرشد بإخلاص ويزرع في طلابه حب المعرفة وحماس الاكتشاف، وهو في نفس الوقت المرجع الموثوق للمعلومة والحارس الأمين على صدق المعرفة ودقتها ولذلك تجده يتحلى بالأمانة العلمية والدقة في طرح المفاهيم والقدرة على توجيه الطالب الى مصادر المعرفة الصحيحة وارشادهم الى فنون التفكير والنقد وليس فقط حفظ الحقائق فهو يحفز فيهم التساؤل والبحث والتحليل كي يصبحوا شركاء فاعلين في انتاج المعرفة لا متلقين سلبيين لها، ويمهد الطريق امامهم ليخطوا بخطى واثقة نحو مستقبل واعد ومسؤول متسلحين بالعلم والقيم المجتمعية. إضافة الى غرس الصورة النمطية الراقية وترسيخ ثقافة العمل الجماعي والانفتاح الفكري في التعامل الإنساني والمهني داخل بيئة الجامعة حيث الالتزام بروح التعاون مع الزملاء وتبادل المعرفة والاحترام وبالأخص من هو يكبرهم سناً.
ان الاستاذ الجامعي هو العقل المفكر والقلب النابض في جسد الجامعة والمنارة التي تهدي الحائرين، وسراج قيم يبدد الظلام ومن خلال عطائه اللامحدود وصدقه العلمي وسلوكه الراقي يبني اجيالا تؤمن بالعلم والعمل وتحمل في فكرها بذور النهضة والتجديد، ومن هنا أتى «يوم المعلم» لنكرمه بما يليق برسالته، فشكراً من أكرمني برسالته اللطيفة والراقية، التي كانت بلسما سكب علي في غربتي ورحلتي العلمية، أبنائي أن رسائلكم التي نورت هاتفي أبكتني فرحاً وبالأخص رسالة والد «دخيل» رحمة الله التي ذكرتني بشخصية أحبها كل من تعامل معها، وأذكر ذاك اليوم ويتذكر زملائي وطلابي عندما اكتظ الناس في مقبرة صبحان لأجل شاب للتو تجاوز عشرين ربيعاً، فعند دخيل ومعلم دخيل تقف الكلمات.  
«قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا»
 

أ.د. مناور بيان الراجحي

 

الذكاء الاصطناعي و«النظرية السياسية» (2 من 5)

تُعد النظرية السياسية (المجال-المظلة) أو (الفرع-العُمدة) في العلوم السياسية كحقل معرفي مميز ضمن العلوم الاجتماعية والإنسانية.
ومن ثم، يبدو من الوجاهة بمكان أن نستهل به تقصينا للتأثيرات المحتملة للذكاء الاصطناعي على فروع العلوم السياسية الرئيسية، وهي: النظرية السياسية، والعلاقات الدولية، والنظم السياسية.
ويلحظ كاتب هذه السطور من خلال متابعته الدقيقة للدور المتزايد الذي بات يقوم به الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات العلمية والمناحي العملية، أنه حتى الوقت الراهن مايزال حقل العلوم السياسية بمنأى نسبيًا عن «الاختراق المعرفي والمنهجي»-إن جاز لنا التعبير – لـ«تسونامي» الذكاء الاصطناعي.
وتأتي النظرية السياسية في طليعة فروع العلوم السياسية التي ما تزال عصية على التأثر الآني والعميق لتقنيات هذا الوافد المستجد الذي أصبح يطرق بقوة أبواب كل حقل معرفي وقطاع مهني وحرفي، بل وبات يخترق تفاصيل الحياة اليومية لجميع الناس، بمن فيهم العلماء والخبراء والباحثين والدارسين.
وفي تقديرنا المتواضع، فإن النظرية السياسية لم تنأى بنفسها طواعية عن الذكاء الاصطناعي أو تتمنع عن التفاعل معه، أو تتحصن وتتخندق ذاتيًا وتنعزل بعيدًا عنه بمحض إرادة متعمدة، بل إن هذا التفاعل المحدود-حتى الآن-ما بين معارف ومناهج النظرية السياسية وبين تقنيات الذكاء الاصطناعي ومنتجاته÷ ربما يجد تفسيره الأكبر في الطبيعة الذاتية شديدة الخصوصية لعملية «التنظير البشري» ليس فقط على مستوى العلوم السياسية فحسب، بل وكذلك على مستوى العلوم الإنسانية والاجتماعية والطبيعية كافة.
ذلك أن التنظير السياسي، هو منتج عقلي بشري محض، يتطلب قدرات خاصة ومهارات استثنائية لإعمال الفكر والتأمل والتدبر والتحليل والتأصيل والنقد في كل ما يتعلق بالظواهر السياسية. والتالي فهو عملية عقلية إدراكية معقدة، لا تتوار لكل بني البشر حتى أولئك الحاصلين على درجات علمية عليا، بل غالبًا ما يُشكل المفكرون والمنظرون السياسيون في كل عصر، نخبة محدودة للغاية ربما لا تتجاوز أصابع اليدين، في أحسن تقدير. 
وبحكم هذه الطبيعة الخاصة جداً للتنظير السياسي، نجده عصيًا على العقل البشري عمومًا اللهم إلا الثلة المحدودة من المفكرين على مدار التاريخ الإنساني وعبر الحضارات المتعددة قديمًا وحديثًا.
ولذلك ليس مستغربًا أن نلحظ من تتبعنا ودراساتنا لتاريخ الفكر السياسي الإنساني، محدودية المؤلفات المرجعية الرصينة والإنتاج الفكري الثري.
وتنطبق هذه الملاحظة على جميع إسهامات المدارس الفكرية الغربية وغير الغربية (العربية-الإسلامية، والآسيوية، والإفريقية، والأميركية اللاتينية).
وإذا كان هذا هو حال الذكاء البشري مع التنظير السياسي، يمكننا أن ندرك ونتوقع ونفهم ونفسر إلى حد بعيد، التأثر المحدود للنظرية السياسية بالذكاء الاصطناعي، الذي هو ابتداءً، نتاج للعقل البشري، ثم هو تاليًا -بحكم تكوينه ونشأته ومحتواه-بحاجة مستمرة لهذا العقل كي يطوره ويمده بقدر هائل من البيانات المسموعة والمقروءة والمرئية، واللازمة لعمله وتجويد مخرجاته، والتي هي بمثابة «وقود» الذكاء الاصطناعي من أجل الإنتاج المتواصل والتحسين المطرد، أو قل هي (اوكسجين) هذا الذكاء المًولد بواسطة عقل الإنسان الذي يبقى هو المهيمن الأصيل في هذا المضمار.. فالعقل البشري -وليس ما ابتكره هذا العقل من «ذكاء اصطناعي»- سيظل هو: (The Master Mind).
وعلى الرغم مما تقدم، فإن ذلك لا يعني بأي حال، ألا يحاول دارسو النظرية السياسية الاستفادة مما توفره تقنيات الذكاء الاصطناعي من مزايا وفرص وإيجابيات، من أجل إثراء اجتهاداتهم في مجال التنظير والتأطير السياسي.
ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: 
- استخدام الذكاء الاصطناعي في تلخيص الإنتاج السياسي لكبار المفكرين عبر العصور في الحضارات المختلفة، مثل: منظري الحضارة اليونانية كسقراط وأفلاطون وأرسطو، والمفكرين السياسيين المسلمين الرواد، من أمثال: الماوردي، وأبو حامد الغزالي، وابن تيمية، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، إضافة إلى المفكرين الغربيين المحدثين، من قبيل: توماس هوبز، وجان جاك روسو، وديكارت، ونيتشه، وجون بول سارتر، وغيرهم.
بالإضافة إلى عقد مقارنات ثنائية و/أو متعددة، بين هذه الأطروحات الفكرية الكبرى سواء في في إطار كل حضارة على حدة، أو بين وعبر الحضارات المختلفة في العالم من جهة أخرى.
- استحضار شخصيات المفكرين القدامى عبر الذكاء الاصطناعي، وتوليد أفكارها حول القضايا المعاصرة وفق رؤيتها ومنظورها الخاص، وتقييم مدى مرونتها وملائمة أطروحاتها الكلاسيكية في التفاعل والتعاطي مع قضايا الواقع المتغير.
- إجراء مناظرات ونقاشات فكرية بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي حول القضايا السياسية المعاصرة التي تتطلب تأصيلًا فكريًا رصينًا واجتهادات نظرية متجددة. 
- تنظيم لقاءات افتراضية للعصف الذهني التنظيري عبر الذكاء الاصطناعي، مما يساهم في استشراف الاتجاهات الكبرى في حقل العلوم السياسية، وقضاياه المستقبلية.
مراد القول: يُرجح أن تكون النظرية السياسية هي أقل فروع العلوم السياسية تأثرًا بعصر الذكاء الاصطناعي؛ نظراً لماهيتها شديدة الخصوصية والتفرد، لكنها في الوقت ذاته قادرة على التزود بإيجابيات هذا العصر وما يوفره من تقنيات وأدوات يمكن أن تُسهم-على أقل تقدير-في منهجيات التنظير السياسي ومخرجاته.

د.محمد بدري عيد
خبير العلاقات الدولية والأمن القومي
المستشار الأكاديمي لمركز دراسات الخليج والجزيرة العربية جامعة الكويت

 

صورة

فلامنقو

أنظر إلى البحر الطيني وهو في حاله جزر، عيناي مرهقتان من الدموع، منظر الغروب الحالم بألوانه الهادئة لتدرجات أشعة الشمس المتبقية والتي احتضنتها السماء بكُل حنانٍ خلف الغيوم المتفرقة، جعلني أهدأ قليلاً مع عبور سربٍ لطيور النحام فوق شاطئ البحر. كانت الطيور متفرقة في مجموعات تبحث عن قوت يومها طوال النهار، تطير بين الفينة والأخرى في مجموعاتٍ تنتقل على طول الشاطئ الذي تُطل عليه نافذة غرفة المستشفى. أخرجني هذا المنظر مرّات عديدة من غيبوبة رمادية توقفت معها أفكاري ومشاعري أمام قرارات الأطباء تجاه قلب أمي الذي اجتاحته كُتلةٌ صغيرةٌ كسولة من الدماء، لتقف على بوابة مجرى الحياة في القلب النابض.
في تلك الليلة، اجتمع كل شيء، قرار عملية القلب المفتوح بعد عملية القسطرة، احتمالات الخسارة وعدم النجاة، اقتحام الوباء بوابات المستشفى، الذكريات المتراكمة كتراكم الغيوم الركامية التي بدأت في اجتماعها المُعلن في سماء ديسمبر الباردة، وصوت الرعد الذي بدأ يصدح صداه فوق البحر تُرافقه قطرات الأمطار التي هطلت بكثافة، مؤازرة دموعاً انهمرت على الوجنتين. كُنت أهرب من عينيّ أمي إلى النافذة، أنظر مع سواد الليل، إلى تلك الكائنات التي اصطفت على أول الشاطئ في مجموعات متراصّة، بياضُها الملائكي في عتمة الليل وتساقط الأمطار الذي شتت ضياء الإنارات المتباعدة على الشاطئ، جعلها أكثر ضياءً بريشها الأبيض وسيقانها الطويلة.
ازدادت الأمطار واقترب الضباب وانتصف الليل، لم أستطع النوم، اجتاحتني كُل الأفكار والمشاعر التي استيقظت بغتةً من غيبوبة القرارات الرمادية. اكتسح الضباب الشاطئ ورويداً رويدا، أخذ ضياء الريش الأبيض في التلاشي.. لا أرى شيئاً.. أجواءٌ عاصفة، عصفت بنا جميعاً، وفي لحظة يقظة، اختفى كُل شي.. عاصفةٌ عتمت الخارج والداخل، قلبي المُعتم يتساءل عن حال الكائنات البيضاء على الشاطئ في أجواء شديدة البرودة عاصفة ماطرة، كيف لها أن تتحمل أمواج البحر العاتية بعد أن تحول البحر من حالة مسالمة هادئة مع الجزر إلى حالة المد المتلاطم!
وبعد برهة من الزمن، جمع الضباب شتاته وبدأ بالرحيل التدريجي، رأيت كومةً بدا نورها يتجلى على أول الشاطئ، ريشها الأبيض أصبح أكثر إشراقاً، وعاد كُلُّ شيء كما كان رُغم بعثرة الهواء قليلاً. شعرت بالراحة والاطمئنان لسلامة الطيور التي عاشت تفاصيل الظلمة والبرد والبحر العاتي، درسٌ رباني، استلهمته من تكيُّف هذه الطيور المهاجرة وما تتكبده من عناء الهجرة والسفر والاستقرار المؤقت هنا. حالها يشبه كثيراً أحوال البشر وتقلبّات ظروفهم، المستشفى، المرض والعافية، العاصفة رُغم شدّتها ظاهرياً إلا أنها مُحملة بالخير في الباطن، ماء منهمر يروي الأرض، وإعلان بالتغيير للأفضل، نحو الربيع.
مرت خمس سنوات على هذه الحادثة، والأيام دُول؛ عاد الاختبار مرة أخرى مع عزيز آخر من الأهل، هذه المرة لا توجد نافذة على طيور النحام، بل قلبٌ مطمئن، أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول لنا ولا قوة إلا بالله سبحانه. في رحلة الحياة الدنيا تأخذنا ابتلاءاتها نحو تطوّرٌ في الوعي الإنساني وتزكيةٌ النفس في فكرها ومشاعرها نحو التسليم والطمأنينة، كطيور النحام التي أشرقت بريشها بعد العاصفة وسط عتمة الليل، قال جلّ جلاله: (إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). رسائل الله حولنا لُطف يحتوينا.
 

صورة

وسائل التواصل الاجتماعي!؟

شهد العالم في العقود الأخيرة تطوراً كبيراً في وسائل الاتصال والتقنية الرقمية، مما أدى إلى ظهور فضاءات تفاعلية جديدة باتت تشكل جزءا أساسيا من حياة الأشخاص داخل المجتمعات، ووسائل التواصل الاجتماعي هي الأبرز في هذه الفضاءات، حيث أنها غيرت شكل الاتصال وسرعت في عملية تداول المعلومات بشكل واسع النطاق وكبير التأثير على النواحي الاجتماعية والثقافية والسياسية.
وعلى الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي ذات مزايا كبيرة وكثيرة في نقل العلوم والمعارف وتعزيز التفاعل الإيجابي، إلا أنها تميزت بوجه مظلم كذلك، فهي تعد مصدرا متزايدا في التهديدات التي تمس منظومة الإجراءات والسياسات التي تتخذها الدولة لحماية كيانها واستقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي من أية مخاطر (أي أنها مصدر تهديد للأمن القومي) بالإضافة لتهديدها للأمن الاجتماعي كونها تمس تماسك المجتمع واستقراره القيمي والنفسي والثقافي، وذلك لما لها من مخاطر تتعلق بنشر الأفكار الهدامة وبث الشائعات والتحريض على الكراهية والعنف والانقسام. 
وتتميز وسائل التواصل الاجتماعي بقدرتها اللامحدودة على الوصول والتأثير، فهي من جهة تمثل أداة فاعلة للتعبير والتواصل وتبادل الأفكار والثقافات، ومن جهة أخرى قد تتحول إلى وسيلة تهديد عند استخدامها من قبل جهات مشبوهة، ولا يخفى على أي منا بأن الجماعات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة أدركت هذه القوة مبكرا فاستغلتها في محاولة لنشر الفكر المتطرف والتأثير على الرأي العام، بالإضافة إلى بث الكراهية والتحريض على العنف والاعتداء على مؤسسات الدولة ورموزها، حيث تعمل هذه المنصات على نشر الشائعات الكاذبة من خلال تسريع تداول المعلومات والأخبار المضللة سعيا منها  لأثارة الفتن والبلبلة وزعزعة الثقة بين فئات المجتمع ومؤسسات الدول، علاوة على التحريض على الانقسام الداخلي لإضعاف الانتماء الوطني من خلال اثارة النزعات القبلية والطائفية والحزبية.
ومن هنا يأتي تعمد هذه الجماعات على التأثير النفسي على فكر الشباب كونهم الأكثر استخداما لهذه المنصات، وبالأخص الصغار في السن والشباب غير المسلح بالفكر الصحيح والثقافة الكافية حيث التربة الخصبة لغرس القيم الدخيلة، فهي تجد سهولة في اختراق أفكار تلك الفئة من النشء والشباب والتأثير عليهم بالأفكار المنحرفة والاتجاهات السلوكية غير السوية فحسب بل امتدت للتأثير على الهوية الثقافية للأمة عامة، فهي في أحيان كثيرة تستخدم محتوى يحمل في طياته أفكارا وقيم تتعارض مع القيم الأصيلة للمجتمع العربي والإسلامي، مما يؤدي إلى تغريب الهوية الثقافية وتشويه الوعي المجتمعي. 
لقد كانت وسائل التواصل الاجتماعي وما زالت أداة كغيرها من أدوات الاتصال الحديثة التي تحمل الكثير من السمات الإيجابية والسلبية في الوقت ذاته، لذلك وجب على الحكومات والمجتمع التضامن والتكاتف للتصدي لهذه للمخاطر المحتملة عند استخدام تلك الوسائل، من خلال تعزيز الوعي الرقمي لدى فئتي النشء والشباب، وتحصينهما من مخاطر المحتويات المضللة، وسن القوانين المغلظة والصارمة تجرم نشر الشائعات والطعن في الأعراض ورجالات الدولة، بالإضافة للاهتمام بتطوير البحث العلمي والدراسات التي تطور فهم مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الأمن القومي وترسيخ قيم الانتماء الوطني وتعزيز الهوية الوطنية، فالوعي المجتمعي هو الضمان الأمثل  للاستقرار الأمني والوصول بالمجتمع نحو شاطئ الأمان. 
هذا، وأنصح نفسي قبل نصحكم أن نتعامل مع وسائل التواصل بحذر شديد كي لا نقع في المحظور وإلا محمود. 
خلك مسالم وأسمع الهرج يا حمود
وأحمد  ربك  على أنك  كويتي
بعض  الوسائل  ترى  ما بها  فود
دمار نفس وخراب وطن وبيتي
 

صورة

حين تختبرك الحياة

في هذه الحياة، لا أحد يعيش طريقًا مستقيمًا أو موسمًا واحدًا، أو حياةً هادئة تماماً. فكلٌّ منّا يمرّ بأيام مشرقة، وأخرى رمادية، وربما عواصف قاسية. الحوادث الجيدة والسيئة لا تفرّق بين أحد، فهي جزء من دورة الحياة التي تشمل الجميع بلا استثناء. لا أحد في مأمن من الخسارة، ولا أحد محروم تمامًا من الفرح، فالحياة تمنح وتأخذ، وتختبرنا في صبرنا وثباتنا كل مرة.
ليس لنا أن نختار ما يحدث لنا، فالأقدار لا تستشيرنا قبل أن تزورنا. ما نستطيع اختياره حقًا هو كيف نستجيب لما يحدث. هناك من تضعفه التجارب فيتراجع، وهناك من يتعلم منها ويقوى. الفرق ليس في الأحداث، بل في ردود الفعل.
وقد قال أحد الحكماء: “الأمر لا يتعلق بما يحدث لك، بل بكيفية استجابتك لما يحدث.” هذه العبارة تختصر فلسفة الحياة كلها، لأن الحدث نفسه قد يصنع منك بطلاً أو يتركك مهزوماً، تبعًا لكيف تعاملت معه.
وحين تنظر حولك، ستجد أن أعظم الناجحين لم تُفتح أمامهم الأبواب بسهولة، بل ذاقوا التعثر مثل غيرهم، لكنهم رفضوا أن يتوقفوا. لم يسمحوا للحياة أن تحدد قيمتهم، بل قرروا أن يكون ردّهم أقوى من الصدمة نفسها. فالمحن لا تصنع الضعف، بل تكشف المعدن الحقيقي في داخلنا.
تذكّر أن الحياة لا تفرّق بين طالبٍ ومعلّم، أو بين غنيٍ وفقير، فهي تختبر الجميع بالقدر نفسه. لكنّ من يتعلّم من اختباراته يعيش بعمقٍ أكبر، ورضا أوسع. لذلك، لا تفكّر في منع ما يحدث، فذلك فوق إرادتك، بل فكّر في كيفية التصرف حياله. فحين تختبرك الحياة، لا تهرب... بل قف بثقة، وردّ كما يليق بك.

 

صورة

الأنشطة الطلابية… تربيةٌ للهُوية وصناعةٌ للقيادة

ليست الجامعة قاعاتٍ للتدريس وحدها، بل هي فضاءٌ رحب للتربية والتكوين وصناعة القيادات. فالحياة الجامعية المتكاملة لا تُقاس بعدد المحاضرات ولا بكثافة المقررات، بل بما تُحدثه من أثرٍ في بناء الإنسان علمًا وخلقًا، فكرًا وسلوكًا. ومن أبرز مظاهر هذا البناء الأنشطة الطلابية، التي تُعدّ المدرسة الثانية للطالب، وميدانًا حيًّا لترجمة العلم إلى عمل، والقيم إلى سلوك.
النشاط الطلابي في الرؤية التربوية الإسلامية ليس ترفًا ولا تسلية، بل هو وسيلةٌ عملية لتحقيق مقاصد الشريعة في تربية الإنسان الصالح المصلح. فالإسلام لا يفصل بين العلم والتربية، ولا بين المعرفة والعمل، قال الله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ﴾، وقال النبي ﷺ: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف». 
ومن هنا، فإن النشاط الطلابي الذي ينمّي القوة الفكرية والجسدية والروحية، هو جزء من بناء شخصية المؤمن القوي، العالم العامل، القادر على عمارة الأرض وإصلاحها.
في النوادي العلمية، يتدرّب الطالب على البحث والتجريب، امتثالًا لقوله تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾؛ فيتعلّم منهج التأمل والتفكر والاستنتاج. وفي الفرق الثقافية، يتدرّب على الحوار الراقي، ويكتسب فصاحة الكلمة وقوة الحجة، اقتداءً بالأنبياء والدعاة الذين بلّغوا رسالات ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة. وفي المبادرات التطوعية والخيرية، يتربى على البذل والعطاء، مستشعرًا قوله ﷺ: «خير الناس أنفعهم للناس». وهكذا تتحول الأنشطة الطلابية إلى مختبرٍ تربوي يُنمّي العلم، ويرسّخ القيم، ويهذّب السلوك.
كما تُعدّ الأنشطة الطلابية رافعةً لترسيخ الهوية الإسلامية والوطنية في زمن تتزاحم فيه المؤثرات الفكرية والثقافية. فهي تُعرّف الطالب بقيم دينه وأخلاق أمته، وتُنمّي اعتزازه بلغته وثقافته، وتجعله مرتبطًا بوطنه لا انغلاقًا ولا ذوبانًا، بل انتماءً راشدًا واعيًا. فالهوية في الإسلام ليست مجرد شعارٍ أو مظهر، بل التزامٌ بالقيم، ومسؤوليةٌ في العمل، وتوازنٌ بين الإيمان والانفتاح.
إن المشاركة في الأنشطة الطلابية تُسهم في صناعة القادة، لأن القيادة لا تُولد صدفة، بل تُبنى عبر الممارسة والتجربة والتدريب. وتلك المعاني مستمدة من المنهج النبوي في إعداد القيادات، حيث ربّى النبي ﷺ أصحابه على المبادرة والتكليف والثقة، حتى صار كلٌّ منهم قائدًا في ميدانه.
جامعة الكويت، وهي تهتم بالأنشطة الطلابية، إنما ترعى المستقبل، وتغرس في طلابها بذور القيادة الراشدة التي تجمع بين العلم والإيمان، وبين الكفاءة والقيم. 
فهي تسعى إلى تخريج شبابٍ متوازنٍ في فكره وسلوكه، يحمل رسالة وطنه وأمته، ويُدرك أن التفوق العلمي لا يكتمل إلا بتزكية النفس، وأن خدمة المجتمع لا تتحقق إلا بتربية الضمير.
وحين تتكامل القاعات الدراسية مع ساحات الأنشطة، يصبح الطالب مشروع قائدٍ واعٍ، يقرأ واقعه، ويُسهم في إصلاحه، ويقود زملاءه بروح المسؤولية لا التسلّط، وبالعطاء لا الأنانية. 
وبذلك تتحقق الرسالة الحقيقية للجامعة في بناء الإنسان الكامل: عقلًا راشدًا، وروحًا مؤمنة، وسلوكًا نافعًا. وفي ظل التحولات العالمية السريعة، تحتاج الأمة إلى جيلٍ يقود بالعلم والأخلاق، لا بالشعارات والانفعالات. 
والأنشطة الطلابية الواعية هي ميدان الإعداد لهذا الجيل، جيلٍ يتقن فن القيادة بروحٍ شرعيةٍ وإنسانية، ويوازن بين الانتماء للوطن والولاء للقيم، وبين مهارات العصر وثوابت الدين.
بِمَيْدانِ فِعْلٍ يَصوغُ الفَتَى
هُوِيَّتَهُ بَينَ عِلْمٍ وَشَانْ
يُرَبِّيهِ صَفٌّ وَيُهْدِيهِ جِدٌّ
فَيَحْمِلُ قِيمًا وَيَبْنِي الأوطَانْ
وَيَخْرُجُ قَائِدُ جِيلٍ رَشِيدٍ
يُعَانِقُ مَجْدًا وَيَرْفَعُ كِفْحَانْ
فَيا طَالِبَ العِلْمِ شُمَّ الهُدَى
فَأَنْتَ الرَّجَاءُ وَأَنْتَ الأَمَان
ْخلاصة الهوية:
الأنشطة الطلابية في الرؤية الشرعية هي مدرسةٌ ثانيةٌ تُصقل فيها المهارات وتُزكّى فيها النفوس. بها تُترجم القيم الإسلامية إلى واقعٍ عملي، وتُصنع القيادات الشابة المؤمنة بربها ووطنها، ليكتمل دور الجامعة في إعداد الإنسان علميًا وتربويًا وأخلاقيًا
 

صورة

الإعلام ومحاربة الشائعات

عزيزي القارئ، إذا كانت الحروب التقليدية تستهدف بأسلحتها جسد الإنسان، فإن هناك حرباً مستترة أكثر قوة وأشد ضراوة تستهدف عقل الإنسان وعواطفه وقيمه، إنها حرب الشائعات التي تعدّ أهم وأخطر أدوات الحروب في عصرنا الحالي. 
كما أنها أكثر أساليب الحرب النفسية تأثيراً وفاعلية، وقد ساعد التطور التكنولوجي ومارافقه من تطور في وسائل الإعلام الرقمية إلى جانب ظهور وسائل التواصل الاجتماعي على نمو الشائعات وسرعة انتشارها وتأثيرها على المجتمع، وتحقيق أهداف الجهات التي تقف وراء هذه الشائعات سواء كانت دول أو أحزاب أو حتى جماعات إرهابية ...إلخ.
وكما أن الشائعات تمثل إحدى الظواهر الخطيرة على المستوى العالمي، فإن العالم العربي يعاني من هذه الظاهرة، خصوصاً في ظل المحاولات المستمرة لاستهداف المجتمعات العربية بمختلف الأساليب والوسائل، ومن بينها الشائعات التي باتت تستخدم على نطاق واسع مع تطور وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري، وعلى مستوى دولتنا الحبيبة الكويت، فقد طالعتنا مؤخراً الصحف والمواقع بنشر أخبار تظهر حجم ظاهرة إطلاق الشائعات والأخبار المضللة بهدف زعزعة استقرار المجتمع الكويتي، لذلك اتخذت وزارة الداخلية إجراءات قانونية بحق مروّجي الشائعات واستغلال الظروف الحالية لإثارة الذعر بين المواطنين، ومحاولة زعزعة الأمن ونشر معلومات مغلوطة تتعلق بنظام الدولة ورجالاته، كما تمكنت إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية، من ضبط حسابات إلكترونية إخبارية، بتهمة نشر شائعات والأخبار كاذبة، وذكرت الإدارة العامة للعلاقات والإعلام الأمني بوزارة الداخلية الكويتية أن مثل هذه الشائعات والأخبار الكاذبة، تؤثر سلباً على سير عمل مؤسسات الدولة، وتضر بالمواطنين والمقيمين على حد سواء.

أ.د. مناور بيان الراجحي
 

صورة

بين الحماس والانضباط

نحن كثيرًا ما نخلط بين الحماس والانضباط، ونظن أن الشعور بالحماس هو ما يصنع الإنجازات. الحماس في بدايته يُشبه شرارة قوية تشعل داخلك الحافز، وتشعرك بأن كل شيء ممكن، وأنك قادر على تغيير حياتك في لحظة. يمنحك طاقة وطموحًا ورغبة في الانطلاق، لكنه بطبيعته مؤقت، يضعف مع الوقت، ويتأثر بالمزاج والظروف والنتائج. قد تصحو يومًا مليئًا بالحماس، وتستيقظ في اليوم التالي دون أي رغبة في القيام بالشيء نفسه. وهنا يظهر دور الانضباط بوصفه الجسر الذي يعبر بك من البدايات المتحمسة… إلى الاستمرارية التي تصنع الفرق. فالانضباط يعني أن تفعل المطلوب في الوقت المطلوب، سواء أحببت أم لم تحب، لأنه التكرار الذي يحوّل الفعل إلى عادة، والعادة إلى أسلوب حياة.
نحن أحيانًا ننتظر تلك اللحظة التي نشعر فيها بطاقة عالية تدفعنا للبدء، ننتظر الحماس ليزورنا ويُلهمنا ويمنحنا الدفعة الأولى لنخطو. لكن الحقيقة التي لا يحب الكثيرون الاعتراف بها هي أن الحماس مجرد شعور مؤقت، يأتي ويرحل، بينما الانضباط عادة تُبنى وتترسخ وتستمر حتى عندما يغيب الشعور تمامًا. فالحماس يشبه الشرارة، أما الانضباط فهو الوقود الذي يبقيك مستمرًا حتى تصل.
لو كان النجاح يعتمد على الحماس وحده، لحقق الجميع أحلامهم في تلك الأيام القليلة التي يشعرون فيها بالنشاط. ولكن الحياة لا تكافئ من يعمل عندما يكون متحمسًا فقط، بل تكافئ من يستمر حتى في الأيام العادية، الثقيلة، الرمادية.
الانضباط يعني أن تفعل ما يجب فعله، حتى حين لا ترغب، وأن تلتزم بخطوات صغيرة يومية تصنع التأثير مع الوقت. ومع التكرار، يتحول ما كان يومًا مرهقًا إلى عادة سهلة لا تفكر فيها كثيرًا. الناجحون لم ينتظروا الشعور المثالي، بل بدأوا في أكثر الأيام عادية، واستمروا في أقل الأيام إلهامًا، ثم جاء الحماس لاحقًا من رؤية النتائج.
لا تنتظر الحماس ليأتي. ابدأ بخطوة صغيرة، كررها كل يوم، ودع النتائج تصنع حماسك في الطريق.


د. خالد القحص
@drkhaledalqahs
 

صورة

الخدمات الجامعية… بيئة آمنة للعلم والإبداع

الجامعة ليست مجرد قاعاتٍ للدراسة أو مختبراتٍ للبحث، بل هي بيئة متكاملة، لا يكتمل عطاؤها إلا بتوافر الخدمات التي تحتضن الطالب وتوفر له الأمن النفسي والاجتماعي، ليتمكن من التفرغ للعلم والإبداع. فالخدمات الجامعية ليست هامشًا في العملية التعليمية، بل هي أساسٌ داعم، وأرضية صلبة تُبنى عليها رحلة الطالب نحو التميز.
إنّ الطالب حين يدخل الجامعة، لا يبحث عن المعرفة وحدها، بل عن بيئة تُشعره بالانتماء، وتُعينه على تجاوز ضغوط الحياة والدراسة. والسكن الجامعي – مثلًا – ليس مكانًا للنوم والمأوى فحسب، بل هو فضاء للتآلف والتعارف وصقل الشخصية.
فيه يتعلم الطالب الانضباط، والمسؤولية، والاعتماد على النفس، فيتربى على قيم المشاركة والتعاون.
والمرافق الجامعية، من مكتباتٍ ومراكز أنشطةٍ وصالاتٍ رياضية، تمثل شرايين الحياة داخل الجامعة. فالمكتبة هي القلب النابض للمعرفة، ومراكز الأنشطة تُنمّي مهارات التواصل والعمل الجماعي، والصالات الرياضية تزرع روح التوازن والانضباط. فكل هذه المكونات تشكل منظومة واحدة تسهم في بناء الطالب المتكامل عقلًا وجسدًا وروحًا.
ومن أعظم صور الرعاية الجامعية: الدعم الأكاديمي والنفسي، فهو الذي يحمي الطالب من التعثر، ويهديه إلى الطريق الصحيح عند التحديات. 
وقد قرر الإسلام هذا المعنى حين جعل «التناصح» أصلًا من أصول الأخوة الإيمانية، فقال ﷺ: «الدين النصيحة». فالمؤمن مرآة أخيه، والمعلم راعٍ لطالبه في علمه وسلوكه، كما قال ﷺ: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته».
إنّ الرؤية الشرعية تؤكد أن توفير البيئة الآمنة والمتكاملة للطالب من باب المسؤولية الجماعية، ومن واجبات الأمانة والرعاية التي حملها كل من تصدى للتعليم والإدارة. 
فالاهتمام بالسكن، والمرافق، والخدمات الصحية والنفسية، بل تحقيقٌ لمبدأ «الإحسان» الذي أمر الله به: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ [النحل: 90].

د.عبدالحميد الشايجي
المشرف العلمي لفريق 
قيم الطلابي التطوعي
عمادة شئون الطلبة جامعة الكويت


 

مهارات القرن الـ21 والتكيف (الجزء1)

إن إجماع المنظمات التعليمية العالمية على ضرورة تزويد المتعلم بمهارات القرن 21 أتى نتيجة التحديات المُتسارعة والمتغايرة التي تجتاح العالم، تحديات يمثل فيها التطور التكنولوجي الرقمي العامل الأبرز وهو عامل أثر على الهوية الثقافية ومنظومة القيم الإنسانية بشكل مباشر مما يوجب التوقف عنده والتعامل معه فحرصت المجتمعات الساعية نحو التنمية المستدامة وتعزيز الاقتصاد المعرفي على توظيف مهارات القرن الـ21 في مناهجها التعلمية.    
إن وعي المجتمع الجامعي والمجتمع العام بأهمية اكتساب مهارات القرن الـ 21 هو أحد وسائل اكتسابها، وليتحقق هذا الوعي بشكل مثمر لابد من تعرض الأفراد لهذا المفهوم عن طريق تناوله وطرحة في القاءات التربوية التعلمية والحديث عنه في مختلف وسائل الإعلام التربوي. وهذا ما دعانا لإعداد مقالتين في عددين من جريدة آفاق العدد (1356) والعدد(1357) وضحنا فيها مفهوم مهارات القرن الـ21 وعلاقته بالمضامين النفسية.
في الحقيقة إن التفكّر في مفهوم مهارات القرن الـ 21 وفهم أسبابه ومعطياته يجعلنا نقول أن تلك المهارات ما هي ألا نوع من أنواع التكيف، تكيف مؤسسات التربية والتعليم للتغلب على تحديات العصر الحالي والتصدي لها وكبح جماح التحول الرقمي وإخضاع الذكاء الصناعي لصالح البشرية بتهذيبه وقمع عيوبه.
وبكلمات أخرى فإن التحديات الحالية هي صعوبات فرضتها الثورة الرقمية والذكاء الصناعي الذي أثر على سلامة الصحة النفسية للإنسان ومدى احتفاظه بخصوصيته، إضافة إلى شيوع الاختلالات في التفاعلات الاجتماعية وما يرتبط بها من معايير وقيم أخلاقية واللجوء إلى العالم الافتراضي والتفاعل الاجتماعي الإلكتروني وإهمال الحياة الاجتماعية الواقعية. هذا ولا ننسى أن وفرة المعلومات نتيجة للانفجار المعرفي وكثرة المصادر قد يساهم في انتشار المعلومات المضللة وغير الدقيقة، لذلك فقد رأى خبراء التربية والباحثين في علم النفس التربوي إن التكيف هو الحل.  يعرف التكيف على أنه تغيير في سلوك الإنسان للوصول إلى قدر من الوفاق والانسجام مع ما يحيط به في البيئة حتى يحافظ على اتزانه وسلامته النفسية. فكان لابد من تعليم الطلاب والمتعلمين مهارات يستطيعون من خلالها تحقيق التكيف الجيد، وهذه المهارات هي مهارات القرن 21 وبنفس الوقت فإن تلك المهارات تتضمن مهارة التكيف حيث اُدرجت تحت مجموعة المهارات الحياتية والمحتوى المعرفي. وفقاً للدراسات السيكولوجية فإن التكيف يتضمن ثلاث أبعاد، فما هي تلك الأبعاد وكيف تتداخل مع مهارات القرن ال21 هذا ما سنوضحه في الأعداد القادمة.

أ.مها خماس
إختصاصية نفسية – كلية التربية
 

صورة

بين الدراسات الكمية والكيفية في مجال العلوم الاجتماعية والسلوكية (2/5)

(نقد الاتجاه الكمي)
لقد انتقد بعض الكيفيون في مجال الدراسات الاجتماعية والسلوكية وبقساوة المنهج الكمي، وأشاروا إلى أن المنهج الكمي هو منهج ضعيف وغير موضوعي، وهو يعتمد على الرقم والمؤشر الكمي لقياس الظاهرة الاجتماعية والسلوكية، ويتعرض هذا المنهج إلى هجوم كبير سابقاً ولا يزال، ويمكن تلخصي أهم بنود ونقاط هذا الهجوم بالآتي: 
يشير الكيفيون إلى أن البحوث الكمية كثيراً ما تخضع إلى إعداد استمارة بحثية، توزع على مجموعة على الأشخاص، وبطرق غير مناسبة في كثير من الأحيان، ويخرج من خلالها الباحث بنتائج وبمؤشرات كمية لا يمكن التعويل عليها بحكم كونها فقط مؤشرات كمية عامة، أو أنها صادرة من استجابة غير متزنة للمبحوثين على هذه الاستمارة. 
كثير من الأحيان يكون محتوى الاستمارة البحثية نفسها هشاً وغير مناسب، بالإضافة إلى أنها تتسم بالسطحية، ويؤكد البعض جزماً بأنها معدة من غير اعتماد لصدقها وثباتها كأداة تقيس ما وضعت له. 
يشير بعض الكيفيون أيضاً إلى أن كثير من الاستمارات الكمية يتم تطبيقها على بعض العينات السهلة التي لا يمكن أن يتم الاعتماد عليها والتعويل على نتائجها للمجتمع الأكبر، كاعتماد كثير من الباحثين على طلبة الجامعة أو المدارس أو غير ذلك من العينات المتداولة والسهلة كما يصفها الكيفيون. 
الشك الدائم في أن هذه المؤشرات الكمية لا يمكن بأي حال من الأحوال تعميمها على المجتمع بأسره، بل أنها تكون خاضعة وبشكل مباشر لتقيس العينة المختارة ذاتها، وتعكس النتائج مخرجات هذه العينة فقط.
كثير من البحوث الكمية تخرج عن إطار التحليل والاستنتاج، وتقف عند فقط عرض للمؤشرات الكمية من تكرارات، ونسب مئوية، وما حصل من علاقات، وفروقات وتقف عند هذا الحد ولا تزيد عنه. فتخرج النتائج جامدة بدون أي تحليل رصين، وبشكل نسبي يختلف من بحث إلى آخر.
يرى البعض أن الدراسات الاجتماعية السلوكية الكمية يغيب عنها البعد الفلسفي، أو التحليل المبني على الأطر الفلسفية للظواهر الاجتماعية، فقد تخلت الدراسات الكمية عن مدرسة العلوم الرئيسة والمتمثلة في التحليل الفلسفي للظواهر، والتي تجعل من المؤشرات الكمية والنتائج جامدة عند قراءتها وتناولها، وأشبه ما تكون صماء لا صوت لها.
يرى البعض كذلك أن بعض من الدراسات الكمية تخلو من الربط العلمي النظري وتعتمد على الأطر المفاهيمية لدراسة الظواهر الاجتماعية دون الأخذ بالأبعاد النظرية للعلم نفسه، في خروج عن سياق أهداف الدراسات الاجتماعية والسلوكية التي يفترض أن تدعم وتركز وتعزز من النظريات الاجتماعية.
في كثير من الأحيان يتم تجاهل كما يسمى بالمتغيرات الوسيطة في الدراسات الكمية، فتنسب العلاقة إلى أحد المتغيرات في ظل إخلال في الإشارة إلى عوامل ومتغيرات وسيطة من الممكن أن تؤثر في طبيعة ودرجة ومستويات هذه العلاقة بين المتغيرين محل الدراسة. 
اعتماد بعض من الدراسات الكمية على السببية في حدوث الظاهر والمشكلات الاجتماعية والسلوكية، وهو أمر يعرض الدراسة للانتقاد بحيث أنه لا بد من التفريق بين العلية والسببية في طرح القضايا وخاصة في العلوم الاجتماعية التي لا تخضع إلى تلك القوانين التي تحكمها القوانين الطبيعية.

استخدام المؤشرات الكمية بمعزل عن السياق الاجتماعي للظاهرة المدروسة، والاعتماد المفرط على السطحية في عرض بعض الدراسات كالمقارنة غير الفاعلة والتي لا تخرج بنتائج رصينة مثل المقارنة بين الذكور والإناث في بعض الظواهر والتي لا يمكن أن تخرج بنتائج تحقق أهمية بحثية يمكن الاعتماد عليها، وكذلك الكشف عن علاقات غير ذات أهمية وسطحية وتعتمد في عدد من الدراسات، كالكشف عن علاقة المرحلة الدراسية للمستجيب مع أنماط الزواج أو أي موضوع آخر، فعدد من الدراسات الاجتماعية تركز على مثل هذه المقارنات والعلاقات  الإحصائية غير ذات القيمة العلمية الرصينة ولا تخرج عن كونها سوى اعتماد مفرط على الإحصاء، وخارج عن السياق الاجتماعي.   
الاعتماد على أدوات بحثية كمية مثل الاستبيان لا يمكن أن تصلح لأهداف الدراسة التي تتطلب وجوباً استخدام المنهج الكيفي، كقياس بعض الدراسات عن بعض العادات والتقاليد والتي يفرط بها الباحث في الاعتماد على المؤشرات الكمية بدلا من الاعتماد على التحليل الكيفي النوعي للمعلومات. 
هناك اتهام مباشر إلى أن الدراسات الكمية هي أسرع في الإنجاز من الدراسات الكيفية النوعية، والتي قد تستغرق وقتاً أطول في الكتابة والتحليل، بينما يلجأ الباحث في البحوث الكمية إلى توزيع استمارة بحثية وتحليلها والخروج بنتائج وبسرعة تفوق في زمن إعدادها المتكامل الدراسات الكيفية. 
وقد يكون أحد أبرز الانتقادات الموجهة للبحث الكمي في الثقافة العربية تحديداً ذلك الاعتماد المفرط على الآخرين في التحليل الإحصائي. فهناك إشكالية في هذا الاعتماد المفرط والذي يجعل من الإحصائي وليس الباحث هو من يرسم ملامح البحث وفرضياته وأسئلته أيضا في غياب لدور الباحث. ولا بد من الإشارة إلى أنه ليس من المهم أن يكون الباحث الاجتماعي ملما بالعمليات الإحصائية وطريقة حل المعادلات الخاصة بها، وكيفية بناء المعادلة التي تعتبر من صميم تخصص الإحصائيون، إنما من المهم أن يعرف الباحث الاجتماعي كيف يفكر إحصائياً، ويعرف كيف يستخدم المعادلات الرياضية الإحصائية، ومتى يستخدمها حتى يبني أسئلة دراسته وفروضها.  فإن جهل بذلك (وهو مع الأسف واقع نلاحظه)،  فإنه يلجأ إلى الإحصائي ذو الحس العلمي في المجال الاجتماعي المتدني، فتخرج نتائج هشة وغير موزونة، وإسهام قد يكون مخالفاً لقواعد وأصول البحث العلمي والأمانة العلمية. 
وفي مجال آخر، يرى الكيفيون أيضا حتى في الدراسات التحليلية الكمية الإحصائية والواردة من البيانات الثانوية وهي تلك البيانات غير المجموعة بواسطة الباحث نفسه تتعرض إلى الانتقاد، بحيث أن الباحث يمكن استخدامه للمؤشرات الكمية بطرق ملتوية أو طرق غير علمية ومهنية، وبطرق تعكس ماذا يريد أن يستخرج من هذه البيانات فقط، وإخفاء معلومات أخرى قد لا تتوافق مع فرضياته وأسئلته البحثة، أي أن اللعب في الأرقام والرسوم البيانية حسب ما يفضله بل يفصّله الباحث في بعض الأحيان. ولعل من أبرز النتائج الكمية المضللة كمثال يمكن الاعتماد عليه هنا لتبرير هذا الشك في الجانب الكمي هو قياس نسبة الطلاق في المجتمع المحلي على سبيل المثال. فتطالعنا الصحف اليومية بعديد من الأخبار عن ارتفاع نسب الطلاق، والتي وصلت حسب الاستناد على بيانات وزارة العدل إلى أكثر من 50% في العام الحالي أو السابق، بينما كانت 45% في العام الذي قبله، وهو مؤشر على نمو معدلات الطلاق في المجتمع عند مقارنة النسبتين. ولعل هذا المؤشر الكمي يعتبر خطيرا وفي الوقت نفسه مضللا وغير دقيق، حيث يتم حساب عدد الزيجات من العام نفسه، وعدد حالات الطلاق في العام نفسه كذلك، فإن كان عدد حالات الزواج 1000 حالة في عام 2024 مثلا، وعدد حالات الطلاق 500 في هذا العام، فإن النسبة ستكون 50%، وهي نسبة صحيحة لهذه المعادلة المغلوطة، ولكن إذا أدركنا إن حالات الطلاق نفسها كانت أساساً لزيجات لم تكن بالضرورة تمت في هذا العام المدروس أي 2024، أي أنها زيجات تمت من قبل مدة تمتد إلى فترات زمنية طويلة وليست بالضرورة -بل بالأغلب- ليست زيجات العام نفسه. 
فالنسبة المئوية هنا مضللة، والمؤشر الكمي أدى إلى إحداث خلل في التحليل، ومع الأسف الشديد نجد كثير من الباحثين من يعتمد على هذه النسبة ليبرهن على ارتفاع حالات الطلاق في المجتمع، ودون أن يعتمد على القياس الكمي الموزون والدقيق الذي يكشف عن معدل نمو حالات الطلاق في المجتمع بقياس كمي مختلف عن هذا القياس الذي يستخرج النسبة المئوية. إن المعادلة الأكثر دقة وصحة التي يفترض أن يلجأ لها الباحث هي قياس عدد حالات الطلاق خلال السنة الحالية ويتم طرحها من عدد حالات الطلاق للسنة الماضية، ويتم قسمتها على عدد حالات الطلاق في السنة السابقة، ومن ثم يتم ضربها في 100. فهذه هي المعادلة التي تقيس نمو الطلاق السنوي وليس العمل على الأخذ بالنسبة المئوية لحالات الزواج والطلاق بالسنة نفسها، ومن ثم نقارنها بالنسبة للعام السابق. فهذه الوسائل الكمية واستخدامها يعتبر مضللاً، وغير دقيق، والتي تعتبر من بعض الإشكاليات التي يتم الاعتماد عليها في البحوث الكمية والتي تلاقي النقد.

أ.د.يعقوب يوسف الكندري
أستاذ الأنثروبولوجيا والاجتماع كلية العلوم الاجتماعية

 

قسم الرياضيات حيث نحمل هم الجميع

العجيب بقسم الرياضيات تشعر بأنه صغير أحيانا و كبير دائما لكنه بالرغم من كل هذا يتحمل الكثير، فعدد الطلبة كبير وتنوع تخصصاتهم يعني لنا الكثير. كل عضو هيئة تدريس في قسم الرياضيات يحمل همًّا: كيف يوصل المعلومات لكل هذا التنوع؟ وكيف يستطيع أن يجذب من خلال المحاضرات شغف هذا التنوع الطلابي؟
لم يكن الأمر أبداً سهلاً.
نحن نعاني حين نرى بعض الطلبة محبطين، ونعاني أيضًا مع كل تساؤل: ما فائدة المقرر لي وأنا تخصصي… لن أحتاجه؟
كل هذا يزيد من شغفنا بأن نتنوع، نتغير، نتطور لنجيب عن كل هذه الطلاسم التي يرونها.
لدينا خمس مواد تغذي طلبة كلية الهندسة وبعض التخصصات العلمية، كما يقضي طلبة كلية التربية لدينا سنوات يتعلمون منها الكثير. ولدينا مقرر تقريبًا لكل كلية، بل نشعر بأن كل كلية لها حق علينا أن ترى جمال الرياضيات وأهميتها.
من نحن؟ سؤال كان يتبادر في ذهني وأنا طالبة في قسم الرياضيات، حيث تمتلئ شعبنا بطلبة من تخصصات أخرى، ونرى أحيانًا شغفهم وأحيانًا ضجرهم… من نحن؟
نحن أول ميلاد تعليمي جامعي لهم، نحن من يساعدهم لكي يتابعوا الأفكار الجديدة والقديمة، والأشياء الممكنة، يختبروا جدواها ويختاروا منها الأفضل والأجدى والأمكن.
الرياضيات ليست فقط الحل، بل هي جمال الوصول إلى الحلول، هي رحلة مليئة بالمنطق والتناقضات التي تملأ طريق الصح ونحن نحاول أن نبتعد عنها.
الرياضيات ليست الحل، بل تحليلنا للحل: من أين وكيف حصلنا عليه؟ فهي الرحلة بكل مراحلها وصعوبتها وجمالها وأحداثها، حتى نحط بمدينة نكتشفها ونجد بها حلولًا ممتعة، ثم نغادرها بشغف لعالم عجيب آخر به الطرقات كثيرة والممكن أكثر، نحلله ونجد الممكن فيه ثم نغادره.
نحن الرحالة في عالم الرياضيات، عالم التحليل للوصول إلى الممكن، عالم نمضي فيه بشغف أو نتوقف لنضيع بعيدًا عن التحليل فلا نعرف سبب اختيارنا للممكن، بل وحتى سبب حاجتنا له.
طلبتنا الأعزاء بكل التخصصات، أنتم وقود قسمنا، قسم الرياضيات، معكم وبكم يتغير شغفنا بكم، فألهمونا الفرحة للوصول بكل رحلة تخوضونها معنا… وفقكم الله وأنار بالرياضيات بصيرتكم وزاد رشدكم، فهذا عالم الممكن وتحليله، مرحبًا بكم.
 

الإعلام من ناقل خبر إلى صانع وعي

شهدت صور المواطنة الحديثة تحولاً جذرياً عميقاً، فلم تعد تقتصر على الانتماء فحسب، بل أصبحت ترتكز بشكل أساسي على ما يتمتع به الفرد في المجتمع من حرية التعبير والاعتقاد لكون ذلك من أهم أسس النظام الديمقراطي، وفي خضم هذا التحول لعبت وسائل الإعلام بأشكالها المتعددة دوراً محورياً، إذ تحولت من الدور التقليدي بنقل الأخبار إلى منصة لا غنى عنها لنقل الآراء وتبادل الأفكار، وهو مايؤكد أهميتها كشريك فاعل في عملية بناء الديمقراطية.
وقد فرض التقدم المتسارع والتعقيدات الجديدة التي طرأت على الظواهر الاجتماعية والسياسية، على وسائل الإعلام التقليدية عدم الاكتفاء بتقديم الأخبار بشكل سطحي، فأصبح التحليل العميق وتقديم محتوى يتسم بالجدية والشمولية ضرورة ملحة، وقد عززت التكنولوجيا الحديثة هذا التغيير، إذ ظهرت كعامل متغير رئيسي دفع الإعلام لتجاوز دوره التقليدي في نقل الخبر، ليصبح وسيطاً فعالاً يقدم تحليلات نقدية وينشئ حواراً مجتمعياً يساهم في بناء الوعي الجمعي ويكسر الحواجز بين المكونات الاجتماعية.
وفي ظل هذا الواقع الذي جعل الإعلام  في يومنا يمثل حلقة وصل رئيسية تفسر وتشرح للمتلقي ما لا تستطيع المؤسسات الأخرى إيصاله، حيث أصبح امتداداً ضرورياً للنظام الاجتماعي والسياسي، وبدأت تتجلى أهمية الإعلام في تشكيل الرأي العام ليس بنقل المعلومة فحسب، بل بتحفيز المجتمعات على المشاركة وتنظيم الجماهير حول قضايا التنمية والتغيير، فأصبحت قدرة الإعلام على التأثير في الوعي الجماهيري هائلة، حيث تفوقت على وسائل التأثير التقليدية، خاصة مع حرية تداول المعلومات التي وفرتها الوسائط الحديثة، تلك الحرية التي أدت لانبثاق حركات شعبية تحمل رؤية موسعة ومتنوعة ومدروسة للأحداث.
وقد بدأ تأثير وسائل الإعلام الجديد يختلف وفقا للبيانات التواصلية من حيث كونها مطبوعة أو صوتية أو مرئية، ولعل ذلك يتطلب دراسة استراتيجة لضمان فاعليتها في تشكيل الرأي العام وتوجهاته والاستفادة من ذلك بشكل إيجابي.
وختاماً لا بد من التأكيد على أن الإعلام في عصرنا اكتسب مزيدا من قوته الفاعلة التي تمكنه من التمهيد لتحولات مجتمعية تكون أكثر وعيا وديمقراطية، حيث تمنح الأفراد مزيدا من حرية التعبير، وتتيح لهم الفرصة لتقديم الأفكار والآراء والمشاركة في صناعة القرار والتأثير به، ما جعل من الإعلام  ركيزة أساسية في مواطنة العصر الحديث ودعامة رئيسية للنظم الديمقراطية التي تستمد قوتها من حرية التعبير والتعددية الفكرية. هذا، ويا ليت قومي يعلمون.

أ.د. مناور بيان الراجحي